فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦١٢
ركعتين بعد المغرب، وهما من الرواتب واتفق الشافعية والحنفية على ندب جعلهما في البيت، وصرح الحنفية بكراهة فعلها في المسجد. قال في فتح القدير: ووقوعها سنة لا ينافي كراهة فعلها فيه، وذهب بعض العلماء إلى أنه يعصي. وحكي عن أبي ثور، ثم إنه لا اختصاص لذلك بسنة المغرب، بل جميع الرواتب يندب جعلها في البيت بدليل خبر النسائي الآتي: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما خصها لأنه رأى رجلا يصليها في المسجد (ه عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأنصاري الأوسي الذي أصابه يوم أحد سهم فنزعه وبقي نصله إلى أن مات. رمز المصنف لحسنه.
955 - (ارموا) بالسهام ونحوها ندبا لترتاضوا وتتمرنوا على الرمي قبل لقاء العدو ويصير لكم به خبرة وقوة (واركبوا) الخيل ونحوها مما يركب للجهاد ولتروضوه للقتال. قال الطيبي: عطفه يدل على المغايرة وأن الرامي يكون راجلا والراكب رامحا (وأن ترموا) بفتح الهمزة أي والرمي بالسهام وخبره (أحب إلي من أن تركبوا) أي من ركوبكم نحو الخيل للطعن بالرمح فإنه لا شئ أنفع من الرمي ولا أنكى للعدو ولا أسرع ظفرا منه كما يعلمه من باشر الحروب وخالط الخطوب، ومن ثم أفتى ابن الصلاح أن الرمي أفضل من الضرب بالسيف (كل شئ يلهو به الرجل باطل) أي لا اعتبار به، يقال للمشتغل بما لا يعود عليه من نفع دنيوي أو أخروي بطال، وهو ذو بطالة. ذكره الراغب. قال ابن العربي: ولا يريد أنه حرام بل إنه عار من الثواب (إلا رمي الرجل بقوسه) أي العربية، وهو قوس النبل أو الفارسية وهو قوس النشاب (أو تأديبه فرسه) أي ركوبها وركضها والجولان عليها بنية الغزو وتعليمها ما يحتاج مما يطلب في مثلها. وفي معنى الفرس: كل ما يقاتل عليه (أو ملاعبته امرأته) أي مزاحه حليلته بالنزول لدرجات عقلها لطيب القلب وحسن العشرة، ولذا قال لقمان: ينبغي للعاقل كونه كالصبي مع أهله، ومثلها نحو ولد وخادم، لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته. بل يراعي الاعتدال (فإنهن) أي الخصال المذكورات (من الحق) أي من الأمور المعتبرة في نظر الشرع إذا قصد بالأولين الجهاد وبالثالث حسن العشرة صار اللهو مطلوبا مندوبا فهو من الحق المأمور به ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس إذا خلا بأهله، وسبق عائشة مرارا فسبقها وسبقته (ومن ترك) أي أهمل (الرمي) بلا عذر (بعد ما علمه) بفتح العين وكسر اللام مخففة. لا بفتحها مشددة كما وهم يعني بعد علمه إياه بالتعليم، ويجوز بناؤه للمفعول (فقد كفر الذي علمه) أي ستره فيكره ترك الرمي بعد علمه لأن من تعلمه حصل أهلية الدفع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد، فتركه تفريط في القيام بما تعين عليه. قال الماوردي: وهذا إن قصد بتعلمه الجهاد وإلا مباح ما لم يقصد به محرما. اه‍. وأقول الذي يتضمنه التحقيق أن الرمي وتعلم الفروسية وتعليم الفرس تجري فيه الأحكام
(٦١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 607 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة