فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦١٧
أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم، فما هو إلا كحمار الوحش يدجل به البلد فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم لا يلتفتون إليها أولئك قوم لا خلاق لهم.
962 - (أزهد الناس الأنبياء) أي الرسل ومثلهم خلفاؤهم العلماء العاملون (وأشدهم عليهم) في إيصال الأذى والإيلام بالبذاء (الأقربون) منهم بنسب أو مصاهرة أو جوار أو مصاحبة أو اشتراك في حرفة أو نحو ذلك، ولهذا نص الله سبحانه وتعالى على تخصيصهم بالإنذار بقوله * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * أي أنذرهم وإن لم يسمعوا قولك أو لم يقبلوا نصحك لكونهم أزهد الناس فإن ذلك ليس عذرا مسقطا للتبليغ عنك. قال ابن عساكر: وقلما كان كبيرا في عصر قط إلا وله عدو من السفلة: فلآدم إبليس، ولإبراهيم نمروذ، ولموسى فرعون، وللمصطفى صلى الله عليه وسلم أبو جهل. قال المصنف: وللحسن مروان بن الحكم، ولابن عباس نافع بن الأزرق. وهكذا. (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وعزاه ابن الجوزي لجابر ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن له عدة طرق منها حديث أبي الدرداء.
963 - (أزهد الناس من لم ينس القبر) أي موته ونزوله القبر ووحدته ووحشته (والبلاء) أي الفناء والاضمحلال (وترك أفضل زينة) الحياة (الدنيا) مع إمكان تحليه بها (وآثر ما يبقى على ما يفنى) أي آثر الآخرة وما يقرب منها من قول وعمل على الدنيا وما فيها. قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فإن والآخرة من خزف باق لاختار العاقل الباقي على الفاني. وقال: ترك أفضل زينة الدنيا ولم يقل ترك زينة توسعة في الأمر وإشارة إلى أن القليل من ذلك مع عدم شغل القلب به لا يخرج عن الزهد (ولم يعد غدا من أيامه) لجعله الموت نصب عينيه على توالي الأنفاس (وعد نفسه في الموتى) لأن التخلي عن زينة الدنيا والتحلي بقصر الأمل يوجب محبة لقاء الله ومحبة لقائه توجب محبة الخروج من الدنيا، وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها. ثم إن من اشتراطه الزهد به ترك زينة الدنيا يشمل النساء، إذ هي أعلى اللذات وأعظمها باتفاق العقلاء، وليس مراد ا فتعين جعل الخبر من قبيل العام المخصوص، أو الذي أريد به الخصوص، فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحا في الأزهدية، كيف وهو أعظم المحبوبات لخير البرية مع أمره لأمته بإكثار التناكح لإكثار التناسل؟ وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد ولم يتركوا الإكثار منهن مع ما هم عليه من ضيق العيش وقلة الرفاهية والجهادين الأصغر والأكبر (فإن قلت) لم لم ينبه على استثنائه في هذا الخبر؟ (قلت) اتكالا على ما ظهر واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية التي هي شعار النصارى، فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه. فتدبر. (هب عن الضحاك مرسلا) قال قيل يا رسول الله من أزهد الناس؟ فذكره. رمز لضعفه.
(٦١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 622 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة