فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٨٩
الأوقات، فإن غيره كان أقرأ منه أو أكثرهم قراءة، أو أنه أتقنهم للقرآن وأحفظهم له (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل) الأنصاري: يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم، وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض، ذكره ابن عبد الهادي. قال ولم يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهورا بالفرائض أكثر من غيره، ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده ولا عهد الصديق رضي الله عنهم. (ألا وإن لكل أمة أمينا) أي يأتمنونه ويثقون به ولا يخافون غائلته (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة عامر بن الجراح) أي أشدهم محافظة على الأمانة وتباعدا عن مواقع الخيانة. والأمين المأمون، وهو مأمون الغائلة: أي ليس له غدر ولا مكر. وقال ابن حجر: الأمين الثقة الرضي، وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره، لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها، لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة وصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره. اه‍. وإنما قطع هذا الأخير عما قبله وعنونه بحرف التنبيه: إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا بجميع المآثر الحميدة بل لمن عداهم مناقب أخر، فكأنه قال لا تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب، بل ثم من اختص بمزايا منها عظم الأمانة كأبي عبيدة (ع) من طريق ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب، وابن السلماني حاله معروف، لكن في الباب أيضا عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم، لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف: أرحم، وقال الترمذي حسن صحيح، والحاكم على شرطهما. وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه، بل رجح وضعه. اه‍. وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولا وأوله أرحم، وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. اه‍.
909 - (أراكم) بفتح الهمزة (ستشرفون مساجدكم) أي تتخذون لها سيأتي شرفات (بعدي) أي بعد وفاتي (كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبدهم وتطلق على متعبد النصارى أيضا، وهي معربة (وكما شرفت النصارى بيعها) جمع بيعة بالكسر متعبدهم. أي فأنا أنهاكم عن اتباعهم، ولستم بسامعيه بل أنتم لا بد فاعلوه مع كونه مذموما مكروها. وأخذ بذلك الشافعية فكرهوا نقش المسجد وتزويقه واتخاذ شرفات له. قال الحراني: قوي في هذه الأمة حال تينك الملتين لما آتاهم الله من الكتاب والعلم والحكمة فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء وإيثار عرض الدنيا وزينتها وحللوا لهم ما حرم الله توصلا به إلى أغراضهم في الاعتداء على من حسدوه من أهل التقوى فاستقر حالهم على مثل حالهم حتى في مساجدهم. اه‍. وذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عن غيب وقع (د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضا.
(٥٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة