فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٩٤
خصلة نقص الكمال إلى هنا كلامه. قال الطيبي والكذب أقبحها لتعليله تعالى عذابهم به في قوله * (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق إيذانا بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه فينبغي للمؤمن المصدق اجتنابه لمنافاته لوصف الإيمان انتهى ويليه الخلف في الوعد قال الغزالي والخلف في الوعد قبيح فإياك أن تعد بشئ إلا وتفي به بل ينبغي أن يكون إحسانك للناس فعلا بلا قول فإن اضطررت إلى الوعد فاحذر أن تخلف إلا لعجز أو ضرورة فإن ذلك من أمارات النفاق وخبائث الأخلاق والفجور لغة الميل والشق فهو هنا إما ميل عن القصد المستقيم أو شق ستر الديانة ولا تناقض بين قوله هنا أربع وآنفا آية المنافق ثلاث إذ قد يكون لشئ واحد علامات كل منها يحصل بها صفته فتارة يذكر بعضها وأخرى أكثرها وطورا كلها قال النووي والقرطبي حصل من مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردا على الكذب والخيانة وزاد الأول خلف الوعد والثاني الغدر والفجور في الخصومة (حم ق 3 عن ابن عمرو) ابن العاص وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه من الستة إلا هؤلاء والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود والنسائي أيضا.
917 - (أربع من كن فيه حرمه الله) في الآخرة (على النار) أي منعه من دخولها إذا فعل مع ذلك المأمورات وتجنب المنهيات (وعصمه) في الدنيا (من الشيطان) أي منعه منه ووقاه بلطفه من كيده والعصمة المنع يقال عصمه الطعام أي منعه والحفظ كما في الصحاح (من ملك نفسه حين يرغب وحين يرهب) أي حين يريد ويشتهي وحين يخاف ويكره لأن لكل رغبة ورهبة وشهوة حرارة تثور في النفس في الباطن كاضطرام النار حرصا على أن تدرك مرادها فإذا أخمد تلك النار حرم الله عليه نار القيامة قال المولى التفتازاني والرغبة في الشئ الإرادة المقارنة للرضي من رغب في الشئ بالكسر وارتغب فيه مثله لا من رغبت عن الشئ إذا لم ترده. وقال الراغب: الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب (وحين يشتهي وحين يغضب) لأن الملك للقلب على النفس فمن كان قلبه مالكا لنفسه في هذه الأحايين لأربع فقد حرم على النار واختسأ شيطانه لأن الدنيا كلها في هذه الأربع فإذا ملك القلب النفس بقوة المعرفة والعلم بالله فقد دقت دنياه في عينه وتلاشت ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى فكل شعبة من شعب دنياه في عينه كالجبال فعظم عنده شأنها وصارت الآخرة في فلبه كالحلم فإذا انتبه ندم فإذا كان القلب أميرا أعطى النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع ومنعها ما سواها لئلا يتطاير شرورها وتشتعل نارها في العروق فتجاوز الحدود (وأربع من كن فيه نشر الله) تعالى (عليه رحمته) أي بثها عليه وأحيى قلبه بها في الدنيا (وأدخله جنته) في الأخرى (من آوى مسكينا) أي أمكنه عنده وكفاه المؤنة أو تسبب له في ذلك والمراد هنا ما يشمل الفقير لقول إمامنا الشافعي إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا (ورحم الضعيف)
(٥٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة