فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٥٨٤
902 - (اذكر الله) بالقلب فكرا وباللسان ذكرا بأن تقول لا إله إلا الله مع الإخلاص، والذكر ثلاث نفي وإثبات بغير نفي وإشارة بغير تعرض لنفي ولا إثبات. فالأول قول لا إله إلا الله، والذكر به قوام كل جسد وموافق لمزاج كل أحد، الثاني ذكر اسمه الشريف الجامع وهو الله اسم جلال محرق ليس كل أحد يطيق الذكر به. والثالث ذكر الإشارة وهو: هو فدوام ذكر لا إله إلا الله سبب لليقظة من الغفلة، وذكر اسم الله سبب للخروج عن اليقظة في الذكر إلى وجود الحضور مع المذكور وذكر هو هو، سبب للخروج عن سوى المذكور اه‍. وقال الفخر الرازي قال الأكثرون الأولى أن يكون الذكر في الابتداء قول لا إله إلا الله وفي الانتهاء الاختصار وفضل بعضهم الأول مطلقا، لأن عالم القلب مشحون بغير الله، فلابد من كلمة النفي لنفي الأغيار، فإذا خلا موضع منبر التوحيد ليجلس عليه سلطان المعرفة وبعضهم الثاني مطلقا لأنه حين ذكر النفي قد لا يجد مهملة توصله إلى الإثبات فيبقى في النفي غير منتقل إلى الإقرار (فإنه) أي الذكر أو الله (عون لك على ما تطلب) أي لأنه مساعد لك على تحصيل مطلوبك، لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يذكر ولو من فاسق، فإذا ذكره ثم دعاه أعطاه ما تمناه، ولهذا قال بعض الصوفية: الإعراض عن الذكر يشوش الرزق ويضيق المعيشة، وأخرج ابن عساكر أن أبا مسلم الخولاني كان يكثر الذكر فرآه رجل فقال مجنون صاحبكم هذا، فسمعه. فقال ليس هذا بجنون يا ابن أخي، هذا دواء الجنون (ابن عساكر) في التاريخ (عن عطاء ابن أبي مسلم مرسلا) هو الخراساني مولى المهلب بن أبي صفرة أرسل عن مثل معاذ بن جبل.
903 - (اذكروا الله ذكرا) كثيرا جدا (حتى يقول المنافقون إنكم تراءون) بمثناة فوقية أي حتى يرميكم أهل النفاق بالرياء لما يرون من شدة محافظتكم عليه، وهذا حث شديد على لزوم الذكر سرا وجهرا ولا يرائي أحدا به، وأما ما قيل إن الشبلي قيل له متى تستريح قال إذا لم أر له ذاكرا. فعذره أنه لا يرى ذاكرا إلا والغفلة مستولية على قلبه. فيغار لله أن يذكر بهذا الذكر لغلبة المحبة على قلبه، ومع ذلك فهو من شطحانه التي تغفر له لصدق محبته، فلا يقتدى به فيها، إذ يلزمه أن راحته أن لا يرى لله مصليا ولا تاليا ولا ناطقا بالشهادتين ومعاذ الله أن يستريح لذلك قلب هذا العارف والله لا يضيع أجر ذكر اللسان المجرد بل يثيب الذاكر وإن غفل قلبه، لكن ثواب دون ثواب. وهذا وأشباهه إذا وقع من أولئك الأجلة الأكابر إنما يصدر عنهم في حال السكر فلا يؤاخذون به كما نقل عن أبي يزيد البسطامي من نحو سبحاني وما في الجبة إلا الله أما النار لأستعدن لها غدا وأقول اجعلني لأهلها الفدا. أما الجنة لعبة صبيان، وقوله هب لي هؤلاء اليهود ما هؤلاء حتى تعذبهم - إلى ذلك من شطحاتهم المعروفة فنسلم لهم حالهم معتقدين لهم ونبرأ إلى الله من كل من تعمد مخالفة الكتاب والسنة (طب عن ابن عباس) وفيه كما قال الهيتمي وغيره الحسن بن أبي جعفر ضعيف.
(٥٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 579 580 581 582 583 584 585 586 587 588 589 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة