فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٧
الغض منه ولا الطعن عليه بل حذرا أن يقلده بعض الأغبياء فيما اختاره وجعله مذهبه سيما ما خالف فيه الأئمة الأربعة اغترارا بدعواه هذا مع اعتقادي مزيد جلالته وفرض سعة اطلاعه ورسوخ قدمه وتمكنه من العلوم الشرعية وآلاتها وأما الاجتهاد فدونه خرط القتاد وقد صرح حجة الإسلام بخلو عصره عن مجتهد حيث قال في الإحياء في تقسيمه للمناظرات ما نصه: " أما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل العصر فإنما يفتي فيه ناقلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يتركه " انتهى وقال في الوسيط: هذه الشروط يعني شروط الاجتهاد المعتبرة في القاضي قد تعذرت في عصرنا.
وهنا تنبيه ينبغي التفطن له وهو أن كل من تكلم على حديث " إن الله يبعث " إلخ إنما يقرره بناء على أن المبعوث على رأس القرن يكون موته على رأسه وأنت خبير بأن المتبادر من الحديث إنما هو أن البعث وهو الارسال يكون على رأس القرن أي أوله ومعنى إرسال العالم تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر الأحكام وموته على رأس القرن أخذ لا بعث فتدبر بانصاف. ثم رأيت الطيبي قال: المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه. والكرماني قال: قد كان قبيل كل مائة أيضا من يصحح ويقوم بأمر الدين وإنما المراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشار إليه. ولما كان ربما يتوهم من تخصيص البعث برأس القرن أن القائم بالحجة لا يوجد إلا عنده أردف ذلك بما يبين أنه قد يكون في أثناء المائة من هو كذلك بل قد يكون أفضل من المبعوث على الرأس وأن تخصيص الرأس إنما هو لكونه مظنة انخرام علمائه غالبا وظهور البدع ونجوم الدجالين فقال (وأقام) أي نصب وسخر. قال الراغب: القيام على أضرب: قيام بالشخص إما بتسخير أو باختيار وقيام هو المراعاة للدين والحفظ له وقيام هو العزم على الشئ ومنه: * (كونوا قوامين لله) * * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * أي حافظ وقوله * (إلا ما دمت عليه قائما) * أي على طلبه (في كل عصر) بفتح أو ضم فسكون وبضمتين أي زمن والعصر الدهر كما في الصحاح والوقت كما في الأساس يقال: ما فعلته عصرا أو بعصر أي في وقت (من يحوط) بضم الحاء الحيطة وهي المراعاة والصيانة والحفظ (هذه الملة) أي يصون ويحفظ هذه الطريقة المحمدية والسنن الإسلامية ويهتم بالذب عنها ويبالغ في الاحتياط غير مقصر ولا متوان. ففي الصحاح حاطه كلأه ورعاه وفي الأساس تعاهد واهتم بأمره. ومن المجاز أحاط به علما أتى على أقصى معرفته كقولك علمه علم إحاطة إذا علمه من جميع وجوهه ولم يفته شئ منه ومنه فلان يحوط بيضة الإسلام وبيضة قومه. وفي المفردات الإحاطة تستعمل في الأجسام نحو أحطت بمكان كذا وفي الحفظ نحو: * (إلا إنه بكل شئ محيط) * أي حافظ لجميع جهاته. والملة قال الزمخشري: الطريقة المسلوكة ومنه ملة إبراهيم خير الملل وامتل فلان ملة الإسلام. وقال القاضي هي ما شرع الله لعباده على لسان أنبياءه من أمللت الكتاب إذا مليته وقال الحراني: ما يدعو إليه العقل المبلغ عن الله توحيده من ذوات الحنفيين والدين الإسلام والإسلام إلقاء ما باليد ظاهرا وباطنا وذلك إنما يكون عن بادئ عين التوحيد اه‍.
وقال الراغب: الدين والملة اسمان بمعنى يتفقان من وجه ويختلفان من وجه فاتفاقهما أنهما اسم لاعتقادات وأقوال وأفعال تأثرها أمم من الأمم عن نبيهم يرفعها إلى الله واختلافهما من وجهين
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة