باطلان فبطل ملزومهما واللازم من المقارنة أي مقارنة معنى الإنشاء لفظه انتفاء وصف الواصف المعين لا الاتصاف وهذا لأن الحمد إظهار الصفات لا ثبوتها. نعم يتراءى لزوم كون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحامد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه ابتداء التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فاختلفت الحقيقتان إلى هنا كلامه. والقول بأن جملة الحمد من صيغ الإنشاء شرعا أو مشتركة بين الإخبار والإنشاء كصيغ العقود زيفه المولى حسن بأن تلك إخبارات لغوية نقلها الشرع إلى الإنشاء لمصلحة الأحكام وإثبات النقل في مثل ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع فقول البعض هو غير بعيد ناشئ عن عدم الاهتمام بتحرير المقام وبذلك نجز الكلام على الحمد. وكأني بك تقول قد أبهمت في مقام التعيين وأجملت في محل التبيين حيث عرفت الحمد بأنه " النعت بالجميل " إلى آخره ولم تبين أن ذلك هو تعريفه اللغوي ولم تتعرض لما تطابقوا عليه من تعريفه عرفا بأنه " فعل ينبئ عن تعظيم المنعم " فأقول لم أغفله من ذهول بل لأن جعلهم ذلك لغويا وذا عرفيا قد تعقبه العلامة البخاري بالرد وأطنب بما منه أن هذا إنما هو اصطلاح لبعض المتكلمين وأن أهل اللغة والشرع قد تطابقوا على أن حقيقة الحمد الوصف بالجميل، قال: فليس الحمد لغة أعم منه شرعا على أن إطباق المفسرين على تفسير الحمد الواقع في القرآن بما فسره به أئمة اللغة دليل على تطابق الشرع واللغة وإلا لما صح تفسير الحمد الواقع في كلام الشارع به لما أن الألفاظ الواقعة في كلامه إذا كان لها معنى شرعي مغاير للمعنى اللغوي يجب حملها على المعنى الشرعي ولا يجوز حملها على المعنى اللغوي انتهى. ثم لما كان الحمد من المصادر التي تنصب بأفعال مضرة والأحداث المتعلقة بالمحل المقتضية لانتسابها إليه والفعل أصل في بيان النسب كان حقه أن يلاحظ معه الفعل لكنه عدل إلى اختيار الإسمية إفادة للدوام والثبوت إجابة لمناسبة المقام كذا قرره التفتازاني، قيل وهو على حسنه لا يخلو من كدر بالنسبة لخصوص المقام إذ لا تخفى حسن المناسبة بين القول المتجدد والحادث والفعل الدال على التجدد والحدوث فالتعبير بالفعلية أنسب وآثر المصنف الحمد على الشكر تحسينا للبيان ببديع الاقتباس ولكونه أشبع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في أعمال الجوارح من الاحتمال ومن ثم كان رأس الشكر ولفظ الجلالة على سائر الأسماء لتكون المحامد كلها مقرونة بمعانيها المستدعية لها فإنه اسم ينبئ عن جميع صفات الكمال لما أخبر بأنه تعالى حقيق بالحمد اعتبار ذاته المستجمع لجميع صفات الكمال وعامة نعوت الجلال حمد أم لم يحمد ونبه على استحقاقه له باعتبار أفعاله العظام وآثاره الجسام من ربوبيته للكل وشمول رحمته الظاهرة للجميع وخصوص رحمته الباطنة للمؤمنين وذلك لأن ترتب الحكم على الوصف كما يشعر بالعلية فكذا يشعر بها تعقيب الحكم بالوصف فكأنه قال حقيقة الحمد مخصوصة بذاته الواجبة الكاملة الشاملة. وقدم الحمد لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهم ذكره التفتازاني واعترض ورد وإنما قدم فلله الحمد له الحمد لأنه ليس المقام مقام حمد. ولما كان صدور هذا الجامع البديع الوضع المتكاثر الجمع الغريب الترتيب العجيب التبويب لا يحصله إلا من ارتقى إلى منازل الشرف وحل من طبقات الإجتهاد بأعلى الغرف افتتح غرة ذلك الكتاب الشريف وأومأ في طرة مطلعه المنيف إلى أنه هو ذاك القرم المبعوث على رأس القرن فقال (الذي) لكثرة جوده على
(١٣)