هذه الأمة وإغزار إفضاله عليهم (بعث) أي أرسل يقال بعثت رسولا أي أرسلته وبعثت العسكر وجهتهم للقتال، قال الراغب: أصل البعث إثارة الشئ وتوجيهه يقال بعثته فانبعث ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به. فإن قلت: كان الأولى أن يقول: الباعث ليكون آتيا بلفظ اسم من الأسماء الحسنى صريحا وما صح وصفه تعالى به لا يحتاج معه إلى الإتيان بالذي وإنما يتوصل به إلى إجراء وصف لم يرد به توقيف. قلت اعتذر البعض عن نحوه بأن ذكر الموصول أدخل في التعظيم وأبلغ في الثناء على الله لدلالة جملة الصلة على الاستقرار في النفوس وإذعانها له (على رأس) أي أول ورأس الشئ أعلاه ورأس الشهر أوله قال في المصباح وهو مهموز في أكثر لغاتهم إلا بني تميم (كل مائة سنة) يحتمل من المولد النبوي أو البعثة أو الهجرة أو الوفاة ولو قيل بأقربية الثاني لم يبعد لكن صنيع السبكي وغيره مصرح بأن المراد الثالث وأصل سنة سنو لقولهم سنوات وقيل سنهة كجبهة لقولهم سانهته وفرق بعضهم بين السنة والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابلة ذكره ابن الخباز في شرح اللمع. قال الراغب: والمائة هي المرتبة الثالثة من أصول الأعداد لأن أصولها أربعة آحاد وعشرات ومئات وألوف (من) أي مجتهدا واحدا أو متعددا قائما بالحجة ناصرا للسنة له ملكة رد المتشابهات إلى المحكمات وقوة استنباط الحقائق والدقائق النظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته واقتضاءاته من قلب حاضر وفؤاد يقظان. قال الحراني: ومن اسم مبهم يشمل الذوات العاقلة آحادا وجموعا واستغراقا (يجدد لهذه الأمة) أي الجماعة المحمدية وأصل الأمة الجماعة مفرد لفظا جمع معنى وقد يختص بالجماعة الذين بعث فيهم نبي وهم باعتبار البعثة فيهم ودعائهم إلا الله يسمون أمة الدعوة فإن آمنوا كلا أو بعضا سمى المؤمنون أمة إجابة وهم المراد هنا بدليل إضافة الدين إليهم في قوله (أمر دينها) أي ما اندرس من أحكام الشريعة وما ذهب من معالم السنن وخفي من العلوم الدينية الظاهرة والباطنة حسبما نطق به الخبر الآتي وهو: " إن الله يبعث " إلى آخره وذلك لأنه سبحانه لما جعل المصطفى خاتمة الأنبياء والرسل وكانت حوادث الأيام خارجة عن التعداد ومعرفة أحكام الدين لازمة إلى يوم التناد ولم تف ظواهر النصوص ببيانها بل لا بد من طريق واف بشأنها اقتضت حكمة الملك العلام ظهور قرم من الأعلام في غرة كل قرن ليقوم بأعباء الحوادث إجراء لهذه الأمة مع علمائهم مجرى بني إسرائيل مع أنبيائهم فكان في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز. والثانية الشافعي. والثالثة الأشعري أو ابن شريح. والرابعة الأسفراييني أو الصعلوكي أو الباقلاني. والخامسة حجة الإسلام الغزالي. والسادسة الإمام الرازي أو الرافعي. والسابعة ابن دقيق العيد ذكره السبكي وجعل الزين العراقي في الثامنة الأسنوي بعد نقله عن بعضهم أنه جعل في الرابعة أبا إسحاق الشيرازي. والخامسة السلفي. والسادسة النووي انتهى. وجعل غيره في الثامنة البلقيني.
ولا مانع من الجمع فقد يكون المجدد أكثر من واحد. قال الذهبي: من هنا للجمع لا للمفرد فنقول مثلا على رأس الثلاثمائة ابن شريح في الفقه والأشعري في الأصول والنسائي في الحديث وعلى الستمائة مثلا الفخر الرازي في الكلام والحافظ عبد الغني في الحديث وهكذا. وقال في جامع الأصول: قد تكلموا في تأويل هذا الحديث وكل أشار إلى القائم الذي هو من مذهبه وحملوا الحديث عليه. والأولى