فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٢٢
بكونه نبيا لتأخره بالذات عنها بل هي صفة كلامية هي قول الله تعالى هو رسولي وتصديقه بالأمر الخارق. إلى هنا كلامه. وقال الراغب: النبوة قيل سفارة العبد بين الله وبين خلقه وقيل إزاحة علل ذوي العقول فيما تقصر عنه عقولهم من مصالح المعاش والمعاد. وجمع بعض المحققين بينهما فقال:
سفارة بين الله وبين ذوي الألباب لإزاحة عللهم فيما يحتاجون من مصالح الدارين وهذا حد كامل جامع بين المبدأ في المقصود بالنبوة وهي الخصوصية وبين منتهاها وهي إزاحة عللهم انتهى (تنبيه) إن قلت: لم عدل المؤلف عن النبي إلى الرسول؟ قلت: لما كان المقام مقام بيان الأحكام وتبليغ الأوامر والنواهي كان حقه أن يذكر فيه وصف الرسالة. ثم عقب ذلك بالرسالة. ثم عقب ذلك بالإشارة إلى ما يفيد مقصود البعثة ويتفرع على النبوة وهو غايتها فقال (المبعوث لرفع) أي لأجل إعلاء (كلمة الإسلام) أي تنفيذ أحكامها من الكلم وهو التأثير، سمي بها اللفظ لأنه يورث في النفس فرحا وانبساطا إن كان طيبا وهما وانقباضا إن لم يكن والمراد بالكلمة الكلام التام أعني كلمة الشهادة أو القرآن كله على ما عليه المتقدمون من عدم الفرق بين الكلمة والكلام، نقله القناوي عن شرح اللب قال: وإعلاء كلمته تنفيذ أحكامه (وتشييدها) أي إحكامها ورفع منارها وتوثيق عراها. والرفع الإعلاء. قال الزمخشري: رفعه فارتفع ورفع فهو رفيع ومن المجاز رفعه على صاحبه في الجنس ويقال للداخل ارتفع أي تقدم ورفعت الرجل سميته والسند ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم اه‍. قال الراغب: الرفع يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرها وتارة في البناء إذا طولته وتارة في المنزلة إذا شرفتها، أمثلتها كل ما في النصوص والإسلام الخضوع والانقياد الظاهر لما أخبر به الرسول. قال في الكشاف: كلما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ومنه أخذ الدواني قوله: الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وقد ينفك الإسلام الظاهر عن الإيمان * (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * (الحجرات: 14) ويصح أن يكون الشخص مسلما في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمنا حقيقة والإسلام الحقيقي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس انتهى (وخفض) أي ولأجل إهانة وإذلال (كلمة الكفر) من دعوى الند والشريك لله أو الصاحبة أو الولد أو غير ذلك من صنوف الكفر وضروب الضلال (وتوهينها) أي إضعافها وتحقيرها، والكفر لغة ستر النعمة وأصله الكفر بالفتح أي الستر ومنه سمي الزارع كافرا لستره البذر وقيل الليل كافر لذلك ومنه الكفارة لأنها تكفر الذنب أو تستره ومنه في ليلة كفر النجوم غمامها ومنه المتكفر بسلاحه أي المغطي به بدنه ثم نقل شرعا إلى عدم الإذعان لما علم مجئ الرسول به ضرورة قولا أو فعلا لما فيه من ستر نور الفطرة الأصلية الذي هو بدر الكمال ومحاولته الإبداع بذكر الخفض والرفع لا يحسن هنا إذ لا يليق إلا بكتب النحو والمناسب هنا ذكر المسند والمرسل والصحيح والضعيف والحسن ونحو ذلك من أنواع علوم الحديث. ثم لما نعته بعلو الشأن وظهور السلطان ووصفه بما هو منشأ كل سعادة وكمال تحرك قلبه إلى إنشاء الصلاة والسلام عليه فقال (صلى الله وسلم عليه) من
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة