فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٩
الشريك من المشاركة وهي المعاونة والمساعدة في الشئ أو عليه وذلك ينافي الألوهية وهو تأكيد لتوحيد الذات والمتوحد ذو الوحدانية وزاد مقام الخطاب بالثناء توضيحا وتقريرا بقوله ضرورة احتياجه إلى الغير فانتفائه ضروري قطعا وهو توكيد لتوحيد الأفعال ردا على المعتزلة ثم قيد الشهادة بما يفيد إثبات جزمه وقوة قطعه وعدم تزلزله فقال (شهادة يزيح ظلام الشكوك صبح يقينها) أي أشهد به شهادة ثابتة جازمة يزيل نورا اعتقادها ظلمة كل شك فهو استعارة بالكناية لكونه نطقه بالشهادة نشأ عن جزم قلبه وعقد لبه عليها لأن نور اليقين لما كان واقعا لظلمات تشكيكات العدو اللعين شبه بضوء الصبح المنتشر المرتفع عند تنحيته لظلام الليل بجامع أن كلا منهما مزيل للظلمات ومحصوله الإخبار عن قوة إيقانه وغلبة سلطان إيمانه على جنانه بحيث بلغ من مقامات القوة مبلغا عظيما إلى اليقين وإن كان اعتقادا جازما مطابقا للواقع لا يزول بالتشكيكات لكنه متفاوت قوة وضعفا عند المحققين بشهادة الوجدان إذ الجزم بطلوع الشمس عند الرؤية أقوى من الجزم بالعاديات. ثم عطف الشهادة الثانية على الأولى فقال (وأشهد) إلى آخره إذ الإتيان بالشهادتين على الترتيب شرط كما هو مذكور في شروط الإسلام الخمسة وهي العقل والتكليف والإتيان بالشهادتين وكونهما مرتبتين وكون ذلك بالاختيار في حق غير الحربي والكلام على هذه الشهادة كالذي قبلها وكانتا بالعطف دونه في الأذان لأنهما فيه تأكيد هنا تعبد (أن سيدنا) معشر الآدميين أي أشرفنا وأكرمنا على ربه والسيد المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة ويضاف ' لي ذلك فيقال سيد القوم ولا يقال سيد النوب وسيد الفرس ويقال ساد القوم يسودهم. ولما كان من شرط المتولي للجماعة الكثيرة كونه مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه وإطلاق السيد على النبي صلى الله عليه وسلم موافق لحديث " أنا سيد ولد آدم " ولكن هذا مقام الإخبار بنفسه عن مرتبته ليعتقد أنه كذلك وأما في ذكره والصلاة عليه فقد علمهم الصلاة عليه لما سألوه عن كيفيتها بقوله " قولوا اللهم صل على محمد " فلم يذكر لفظ السيد وقد تردد ابن عبد السلام في أن الأفضل ذكر السيد رعاية للأدب أو عدم ذكره رعاية للوارد (محمدا) عطف بيان لا صفة لتصريحهم بأن العلم ينعت ولا ينعت به ذكره بعض علماء الروم قال وما ذكره الكشاف في * (ذلكم الله ربكم) * أنه يجوز إيقاع اسم الله صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان وربكم خبر إنما يصح بناء على تأويله والمعرف باللام وإلا فتجويز نعت اسم الإشارة بما ليس معرفا بها وما ليس بموصول مجمع على بطلانه ولا بدل لأن البدلية وإن جوزت في * (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) * لكن القصد الأصلي هنا إيضاح الصفة السابقة وتقرير النسبة تبع والبدلية تستدعي العكس وهو اسم مفعول من التحميد وهو المبالغة في الحمد يقال حمدت فلانا أحمده إذا أثنيت على جميل خصاله ويقال فلان محمود فإذا بلغ النهاية وتكاملت فيه المحاسن فهو محمد لكن ذكر بعض المحققين أنه إنما هو من صيغ المبالغة باعتبار ما قيل فيه من معنى الكثرة وبخصوصه لا من جهة الصفة إذ لا يلزم من زيد مفضل على عمرو المبالغة في تفضيله عليه إذ معناه له جهة تفضيل عليه وبفرض كونه للتكثير لا يلزم منه المبالغة لأنها تجاوز حد الكثرة ولحصرهم صيغ المبالغة في عدد مخصوص وكونه أجل من حمد وأفضل من حمد لا يستلزم وضع الاسم للمبالغة لأن ذلك ثابت له لذاته وإن لم يسم به، نعم المناسبة قائمة به مع ما مر من دلالة البناء
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة