أحدهما أن الدين إذا اعتبر بمبدئه فهو الطاعة والانقياد نحو * (في دين الملك) * (يوسف: 76) وإذا اعتبر بمغزاه ومنتهاه فهو الجزاء كخبر: " كما تدين تدان " والدين تارة يضاف إلى الله تعالى وأخرى إلى العبد والملة من أمللت الكتاب أي أمليته وتضاف إلى الإمام الذي تسند إليه نحو ملة إبراهيم ولا تكاد توجد مضافة إلى الله ولا إلى آحاد أمة النبي لا يقال ملة الله ولا ملتي ولا ملة زيد كما يقال دين الله وديني ودين زيد الثاني أن الدين يقال لكا من الاعتقاد والقول والفعل أنه دين الله ولا يقال ملة إلا باجتماع ذلك كله وأما الشريعة فالطريقة المتوصل بها إلى صلاح الدارين تشبيها بشريعة المار بالطريق الشارع انتهى. وبه يعلم أن من فسر الملة هنا بالدين أو الشريعة لم يصب " بتشييد أركانها " أي بإعلاء أعلامها ورفع منارها وإحكام أحكامها، وتشييد الرفع والتأييد أو الإحكام والاتقان. قال الزمخشري: شاد القصر وأشاده شيده ورفعه، وقصر مشيد وقيل مشيد المعمول بالشيد وهو الجص بكسر الجيم ومن المجاز أشاد بذكره رفعه بالثناء عليه وأشاد عليه أثنى عليه مكروها وأركان الشئ جوانبه التي عليها مبناه وبتركها بطلانه ذكره الراغب. فإثبات الأركان للملة مجاز قال الزمخشري:
ومن المجاز فلان يأوي من عز قومه إلى ركن شديد (تأييد سننها) تقويتها من الأيد وهو القوة الشديدة ومنه قيل للأمير المعظم مؤيد والسنن جمع سنة وهو لغة الطريقة وقال الزمخشري: سن سنة حسنة طرق طريقة حسنة واستسن سنة وفلان مستسن عامل بالسنة وعرفا قول المصطفى وفعله وتقريره قال ابن الكمال المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلا كان أو قولا بخلاف الحديث فإنه مخصوص بالأول (وتبيينها) أي توضيحها للناس من أبان الشئ أوضحه ومنه بان أي اتضح واستبان ظهر واستبينته عرفته. قال الحراني: والتبيين اقتطاع الشئ بما يلابسه ويداخله والمراد المبالغة في البيان بما تفهمه صيغة التفعيل.
وقال الراغب: البيان الكشف عن الشئ وهو أعم من النطق وسمي الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود. وقال المولى خسرو: التبين أعم من أن ينص بالمقصود أو يرشد لما يدل عليه كالقياس ودليل الفعل ولما أقام البراهين على استحقاقه تعالى وتقدس لمجامع المحامد وصفات الكمال شهد له باستقاق الألوهية وإثباتها ونفيها عما سواه إشارة إلى أن تلك الشهادة الشريفة داخلة فما أقيمت البراهين على استحقاقه تعالى إياه بل استحقاق الألوهية أجل ظهورا ومن ثم عطفه على الحمد فصرح بما علم التزاما من سياق التنزيه قبله فقال (وأشهد) إلخ ومن مرسومه أنه التصريح بدلالة مفهوم المنطوق لدفع احتمال توهم غيره أو لحديث أبي داود كل خطبة [ص 14] ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء بذال معجمة. وأصل الشهادة لغة مأخوذة من المشاهدة والمعاينة ثم نقلت شرعا إلى الإخبار بحق الغير عن عيان ثم نقلت إلى العلم بكثرة كما هنا وكذا حيث أطلقت في سائر الكتب فتلك ثلاث انتقالات إذ معناها هنا أعلم ذلك بقلبي وأبينه بلساني قاصدا به الإنشاء حال تلفظه وكذا سائر الأذكار والتنزيهات (أن لا إله) أي لا معبود بحق (إلا الله) جمع في الشهادتين بين النفي والإثبات مع تنزيه الإله الحق المثبت له ذلك عما لا يليق بكمال جلال وحدانيته (وحده) نصب على الحال بمعنى منفردا وكذا حيث وقع إلا ما استثنى منه كقولهم في المدح للعلامة نسيح وحده بكسر الحاء وفي الذم لضعف الرأي عبير وحده وجيحش وحده ووجيه وحده محتمل