فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٣٧
والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة ينالها الإنسان في نفسه وبدنه ومتعلقاته سميت به لحسنها والسيئة تضادها وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة قال الحراني: والعشرة بعدها الآحاد في أوله وقال القاضي: أول عدد كامل إذ به تنتهي الآحاد (ومحا) أزال يقال محوته محوا ومحيته محيا أزلته وذلك بأن يمحوها من صحف الحفظة وأفكارهم (عنه عشر سيئات) جمع سيئة أي قبيحة سميت به لسوئها لصاحبها والفرق بينها وبين الخطيئة أنها قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ ذكره القاضي (ورفع له) في الجنة (عشر درجات) رتبا عالية فيها والدرجات الطبقات من المراتب قال الزمخشري: من المجاز لفلان درجة رفيعة (ورد عليه مثلها) أي رحمة وضاعف أجره نقله النووي عن عياض ثم قال: وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهرها كلاما تسمعه الملائكة تشريفا وقال ابن القيم: ليست الصلاة مرادفة للرحمة لعطفها عليها ولأن صلاته خاصة بخواصه ورحمته وسعت كل شئ، نعم الرحمة من لوازمها فمن فسرها بها فقد فسرها ببعض لوازمها وما ذكر في هذا الخبر يدل عليه إذ صلاة العبد على النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة الله عليه من جنسها بل ثناء عليه والجزاء من جنس العمل فمن أثنى على رسوله جازاه بمثل عمله بأن يثني عليه فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له فيا لها من بشارة ما أسناها.
وظاهره حصول الثواب الموعود وإن لم تقترن الصلاة بسلامة فيشكل على نقل النووي كراهة الإفراد وحصوله مع قرب المصلى عليه وبعده وأنه لا مزية للصلاة عند قبره عليها من بعد لكن ذهب بعضهم إلى أنها عند قبره أفضل (حم) وابن أبي شيبة (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق فقلت: ما رأيتك بأطيب نفسا ولا أظهر بشرا من يومك قال: وما لي لا تطيب نفسي ويظهر بشري ثم ذكره، رمز المصنف لصحته.
92 - (أتاني ملك برسالة) أي بشئ مرسل به (من الله) وفي رواية من ربي (عز وجل) يقال حملته رسالة إذا أرسلته للمرسل إليه بكلام وراسله في كذا وبينهما مكاتبات ومراسلات وتراسلوا وأرسلته برسالة وأرسلت إليه أن افعل كذا ذكره الزمخشري والمراد هنا الوحي ولعله مما لم يؤمر بتبليغه وقد جاءه بالوحي جبريل وغيره لكن جبريل أكثر (ثم رفع رجله) بكسر فسكون العضو المخصوص بأكثر الحيوانات ويفهم منه أنه أتاه في صورة إنسان والرفع الاعتلاء ذكره الراغب فوضعها فوق السماء) وفي رواية السماء الدنيا (والأخرى في الأرض) قال الراغب: الأرض الحرم المقابل للسماء ويعبر بها عن أسفل الشئ كما يعبر بالسماء عن أعلاه (لم يرفعها) تأكيد وتحقيق لما قبله ودفع لتوهم إرادة التجوز لبعده عن الأفهام واستعظامه بين الأنام والقصد بذلك بيان عظم خطوته المستلزم لعظم جثته وأن مسافة خطوته كما بين السماء والأرض، والملائكة عند عامة المتكلمين أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة وعند الحكماء جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة وهو قسمان قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الشغل بغيره وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض على ما
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة