ليس هذا الحكم مختصا بهذا العام بل عام في جميع الأعوام ويلوح من فحواه أن يوم القيامة من الدنيا بمعنى أنه خاتمها ولا يعارضه خبر أشفع يوم القيامة لأن صدره من الدنيا وآخره من الآخرة كما صرح به ما رواه المزني في التهذيب أن الحجاج سأل عكرمة عن يوم القيامة أمن الدنيا أم من الآخرة فقال:
صدره من الدنيا وآخره من الآخرة - (طب عن ابن عباس) رمز المؤلف لحسنه (قلت) كما قال بعضهم (هذا) أي قوله ثلاث إلى آخره (أصل) يستدل به (في) مشروعية (التاريخ) وهو تعريف الوقت من حيث هو وقت والإرخ بكسر الهمزة الوقت يقال أرخت الكتاب يوم كذا وقته به وأرخه وورخه بمعنى ذكره في الصحاح وقيل هو قلب التأخير وقيل معرب لا عربي وقال الصولي: تاريخ كل شئ غايته ووقته الذي ينتهي إليه ومنه قيل فلان تاريخ قومه أي إليه ينتهي شرفهم وعرف عرفا بأنه توقيت الفعل بالزمان ليعرف ما بين قدر ابتدائه وأي غاية فرضت له وقيل هو عبارة عن يوم ينسب إليه ما يأتي بعده وقيل عبارة عن مدة معلومة تعد من أول زمن مفروض لتعرف الأوقات المحددة فلا غنى عن التاريخ في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية ثم إن ما ذكره من أن هذا أصله مراده به من أصوله وإلا فقد وقع الاستدلال بالتاريخ في النص القرآني * (قل يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده) * وتفردت العرب بأنها تؤرخ بالسنة القمرية لا الشمسية فلذلك تقدم الليالي لأن الهلال إنما يظهر ليلا قال ابن الجوزي: ولما كثر بنو آدم أرخوا بهبوطه فكان التاريخ إلى الطوفان ثم إلى نار الخليل ثم إلى زمن يوسف ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم إلى زمن داود ثم سليمان ثم عيسى وقيل أرخت اليهود بخراب بيت المقدس والنصارى برفع المسيح وأما تاريخ الإسلام فروى الحاكم في الإكليل عن الزهري معضلا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول وروى أيضا الحاكم وغيره أن عمر جمع الناس في خلافته سنة سبع عشرة فقال بعضهم أرخ بالبعث وقال بعضهم بالهجرة فقال:
الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فاتفقوا عليه ولم يؤرخوا بالبعث لأن في وقته خلافا ولا من وفاته لما في تذكره من التألم لفراقه ولا من وقت قدومه المدينة وإنما جعلوه من أول المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه إذ البيعة كانت في ذي الحجة وهي مقدمة لها وأول هلال هل بعدها المحرم ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ وفوائد التاريخ لا تحصى منها أنه وقع في زمن الخطيب البغدادي أن يهوديا أظهر كتابا فيه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أسقط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادة جمع منهم على ذلك فوقع التنازع فيه فعرض على الخطيب فتأمله ثم قال: هذا زور لأن فيه شهادة معاوية وإنما أسلم عام الفتح وفتح خيبر سنة سبع وشهادة سعد بن معاذ وكان مات عقب قريظة ففرح الناس بذلك.
89 - (أتاني جبريل فقال) لي (يا محمد) خاطبه به دون رسول الله أو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه المناسب لمقام الوعظ والتذكير والإيذان بفراق الأحباب والخروج من الدنيا ودخول الآخرة والحساب والجزاء وبدأ بذكر الموت لأنه أفظع ما يلقاه الإنسان وأبشعه فقال (عش ما شئت فإنك ميت) بالتشديد والتخفيف أي آيل إلى الموت عن قرب فهو مجاز باعتبار ما يكون في المستقبل قريبا قطعا (وأحبب) بفتح الهمزة