فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٤٢
العراقي: وورد في حديث ابن أبي أوفى أنه يقال عند مسح رأسه جبر الله يتمك وجعلك خلفا من أبيك (وأطعمه من طعامك) أي مما تملكه من الطعام أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام وتطعمه دونه بل أطعمه مما تأكل منه (يلين قلبك) بالرفع على الاستئناف وبالجزم جوابا للأمر (وتدرك حاجتك) أي فإنك إن أحسنت إليه وفعلت ما ذكر يحصل لك لين القلب وتظفر بالبغية وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم وإكرامه لله تعالى خالصا قال الطيبي وهو عام في كل يتيم سواء كان عنده أو لا فيكرمه وهو كافله أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم ويراعي غبطته في ماله وتزويجه، وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب فإن أبعد القلوب من الله القاسي كما ورد في عدة أخبار قال الزين العراقي لكن قيده في حديث أبي أمامة المار بأن لا يمسحه إلا لله قال ولا شك في تقييد إطلاق المسح به لأنه قد يقع مسحه لريبة كأمرد جميل يريد مؤانسته بذلك لريبة كشهوة وإن لم يكن مسح الشعر مفضيا إلى الشهوة فربما دعى إلى ذلك انتهى وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء فالتكبر يداوى بالتواضع والبخل بالسماحة وقسوة القلب بالتعطف والرقة، قال في الكشاف وحق هذا الاسم أعني اليتيم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه غلب أن يسموه به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا عن كافل وقائم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم زال عنهم، وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم آل أبي طالب على القياس أو حكاية حال كان عليها صغيرا توصيفا له وأما خبر " لا يتم بعد احتلام فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار انتهى (طب عن أبي الدرداء) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فذكره قال المنذري رواه الطبراني من رواية بقية وفيه راو لم يسم وبقية مدلس وروى أحمد بسند قال الهيتمي تبعا لشيخه الزين العراقي صحيح أن رجلا شكى إلى المصطفى قسوة قلبه فقال له امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين.
98 - (اتخذ الله إبراهيم خليلا) اصطفاه وخصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله من ترديد الرسل بالرحمة بينه وبينه وإجابة الدعوة وإظهار الخوارق عليه وعلى آله والنصر على أعدائه وغير ذلك من المزايا والمواهب، والخليل المخالل وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخل الطريق في الرمل أو يسد خللك كما تسد خلله أو يدخلك خلال منزله ذكره الزمخشري وقال القاضي سمي خليلا من الخلة بالفتح الخصلة فإنه وافقه في خصاله أو من الخلة بالفتح أيضا الحاجة لانقطاعه إلى ربه وقصره حاجته عليه أو من الخلة بالضم وهي التخلل، فإن الحب تخلل شغاف قلبه بحيث لم يدع به خلالا إلا ملأه لما خالله من أسرار الهيبة ومكنون الغيوب والمعرفة لاصطفائه عن أن يطرقه نظر لغيره قال الراغب: الخلة تنسب إلى العبد لا إليه تعالى فيقال إبراهيم خليل الله ولا يقال الله خليله وهو وإن كان من الأسماء المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر وارتفاعه ارتفاعه لكن ليس المراد بقولهم إبراهيم خليل الله مجرد الصداقة بل الفقر إليه وخص إبراهيم وإن
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة