فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٤٠
والآخرة والشمس تسود الأشياء والعلم يبيضها والشمس تحرق والعلم ينجي من الحرق والقمر يبلي الثياب والعلم يجدد المعارف لأولي الألباب (ومصابيح الآخرة) جمع مصباح وهو السراج فمغايرة التعبير مع اتحاد المعنى للتفنن وقد يدعى أن المصباح أعظم فإن من السرج ما يضعف ضوؤه إذا قل سليطه ودقت فتيلته، ومن كلامهم ثلاثة تضني: رسول بطئ وسراج لا يضئ ومائدة ينتظر لها من يجئ وهذا على طريق المجاز قال الزمخشري: من المجاز رأيت المصابيح تزهو في وجهه وإنما كانوا كالمصابيح في الآخرة لأن الناس يحتاجون إلى العلماء في الموقف للشفاعة بل وبعد الدخول كما يجئ في خبر فينتفع بهم فيها كما ينتفع بالمصابيح ولذا يقال: إن ذات العالم تكسى نورا يضئ كالمصباح حقيقة.
ألا ترى أن هذه الأمة تدعى غرا محجلين من آثار الوضوء فالعالم يتميز على آحاد المؤمنين بأن تصير جثته كلها مضيئة وأشار بالترغيب في اتباع العلماء إلى الترهيب من مصادقة الجهلاء وفيه دليل على شرف العلم وإنافة محله وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أفخر النعم وأجزل القسم وأن من أوتيه فقد أوتي خيرا كثيرا إن صحبه عمل وإلا فقد ضل سعي صاحبه وبطل (فر عن أنس) بن مالك وفيه القاسم بن إبراهيم الملطي قال الذهبي قال الدارقطني كذاب وأقره ابن حجر وجزم المؤلف في زيادات الموضوعات بوضعه فإيراده له هنا إخلال بشرطه 95 - (أتتكم المنية) جاءكم الموت قال في الصحاح: المنية الموت من منى له أي قدر لأنها مقدرة وفي المفردات الأجل المقدر للحيوان (راتبة) أي حال كونها ثابتة مستقرة (لازمة) أي لا تفارق أي ثابتة في الأزل وإذا وقعت لا تنفك. * (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) * (إما) بكسر فتشديد مركبة من إن وما (بشقاوة) أي مصاحبة لسوء عاقبة (وإما بسعادة) ضد الشقاوة أي كأنكم بالموت وقد حضركم والميت لا محالة صائر إما إلى النار وإما إلى الجنة فالزموا العمل الصالح، وذلك أن الإنسان إذا بلغ حد التكليف تعلقت به الأحكام وجرت عليه الأقلام وحكم له بالكفر أو الإسلام وأخذ في التأهب لمنازل السعداء أو الأشقياء فتطوى له مراحل الأيام بجد واجتهاد واهتمام إلى الدار التي كتب من أهلها فإذا أتته المنية أشرف منها على المسكن الذي أعد له قبل إيجاده إما وإما فهناك يضع عصى السفر عن عاتقه وتستقر قواه وتصير دار العدل مأواه أو دار السعادة مثواه وبهذا التقرير انكشف لك أن الحديث من جوامع الكلم (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في) كتاب (ذكر الموت) أي فيما جاء به (هب عن زيد) بن عطية (السلمي) الخثعمي (مرسلا) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آنس من أصحابه غفلة أو غرة نادى فيهم بصوت رفيع أتتكم المنية إلى آخره. وقد رمز المصنف لضعفه وهو كما قال إلا أن في مرسل آخر ما يقويه ويرقيه إلى درجة أحسن وهو ما رواه البيهقي عن الوضين بن عطاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحس من الناس بغفلة عن الموت جاء فأخذ بعضادتي الباب وهتف ثلاثا وقال: يا أيها الناس يا أهل الإسلام أتتكم المنية راتبة لازمة جاء الموت بما جاء به جاء بالروح والراحة والكرة المباركة لأولياء الرحمن من أهل دار الخلود الذين كان سعيهم ورغبتهم فيها لها ألا إن لكل ساع غاية وغاية كل ساع الموت سابق ومسبوق انتهى.
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة