فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٣٩
94 - (اتبعوا) بتقديم المثناة الفوقية أمر بالاتباع (العلماء) العاملين يعني اهتدوا بهديهم واقتدوا بقولهم وفعلهم وما ذكر من أن الرواية اتبعوا بعين مهملة هو ما وقفت عليه في أصول قديمة من الفردوس مصححة بخط الحافظ ابن حجر ورأيت في نسخ من هذا الكتاب ابتغوا بالغين المعجمة وهو تصحيف من النساخ (فإنهم سرج الدنيا) بضمنين جمع سراج أي يستضاء بهم من ظلمات الجهل كما ينجلي ظلام الليل بالسراج المنير. يهتدي به فيه فمن اقتدى بهم اهتدى بنورهم قال الزمخشري من المجاز سرج الله وجهه حسنه وبهجه ووجه مسرج والشمس سراج النهار والهدى سراج المؤمنين ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم السراج الوهاج انتهى. وشبه العالم بالسراج لأنه تقتبس منه الأنوار بسهولة وتبقى فروعه بعده وكذا العالم ولأن البيت إذا كان فيه سراج لم يتجاسر اللص على دخوله مخافة أن يفتضح وكذا العلماء إذا كانوا بين الناس اهتدوا بهم إلى طلب الحق والسنة وإزاحة ظلم الجهل والبدعة ولأنه إذا كان في البيت سراج موضوع في كوة مسدودة بزجاجة أضاء داخل البيت وخارجه وكذا سراج العلم يضئ في القلب وخارج القلب حتى يرق نوره على الأذنين والعينين واللسان فتظهر فنون الطاعات من هذه الأعضاء ولأن البيت الذي فيه سراج صاحبه مستأنس مسرور فإذا طفئ استوحش فكذا العلماء ما داموا في الناس فهم مستأنسون مسرورون فإذا ماتوا صار الناس في غم وحزن (فإن قلت) ما الحكمة في التشبيه بخصوص السراج وما المناسبة التامة بينهما (قلت) المصباح تضره الرياح والعلم يضره الوسواس والشبهات والسراج لا يبقى بغير دهن فالعبد طلب إيقاد سراج العلم لا بد له من زناد الفكر، قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * (العنكبوت: 69) وحجر التضرع قال تعالى * (ادعوا ربكم تضرعا) * (الأعراف: 55) وإحراق النفس بمنعها من شهواتها قال تعالى * (ونهى النفس عن الهوى) * (النازعات: 40) وكبريت الإنابة قال الله عز وجل * (وأنيبوا إلى ربكم) * ومسرجة الصبر * (إن الله مع الصابرين) * وفتيلة الشكر قال تعالى * (اشكروا لله) * ودهن الرضا بالقضاء المشار إليه بقوله * (واصبر لحكم ربك) * (فإن قلت) لم لم يشبههم بالقمرين والنجوم مع أنها أرفع وأنور في المشارق والمغارب؟
(قلت آثره عليها لأنها يحجبها الغمام ونور العلم لا يحجبه سبع سماوات والشمس تغيب ليلا والقمر يختفي نهارا والعلم لا يغيب ليلا ولا نهارا بل هو هو وهو في الليل آكد * (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا) * والقمران يفنيان والعلم لا يفنى والقمران ينكسفان والعلم لا ينكسف والقمران تارة يضران وتارة ينفعان والعلم ينفع ولا يضر بشرطه والقمران في السماء زينة لأهل الأرض والعلم في الأرض زينة لأهل السماء وهما في الفوق ويضيئان ما تحت والعلم في قلب المؤمن وهو في التحت ويضئ ما فوقه وتحته وبهما ينكشف وجود الخالق وبالعلم ينكشف وجود الخالق وضوؤهما يقع على الولي والعدو والعلم ليس إلا للولي وشعاع الكواكب علامة والعلم كرامة والكواكب موضع نظر المخلوقين والعلم موضع نظر رب العالمين " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " الكواكب نفعها في الدنيا والعلم نفعه في الدنيا
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة