فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٣١
رأيت بعضهم قال كان النبي صلى الله عليه وسلم القوة الظاهرة على الخلق في الوطء وكان له في الأكل القناعة ليجمع الله له الفضلين في الأمور الاعتيادية كما جمع له الفضيلتين في الأمور الشرعية ليكون كاملا في الدارين حائزا للفخرين (فإن قلت) إذا كان الجماع مما يمتدح بكثرته فكان القياس أن لا يقتصر منهن على تسع وقد كان لسليمان ألف حليلة وما من فضيلة أوتيها نبي إلا وقد أوتي جامع الرسل مثلها أو أعلى؟ قلت قلة عدد النسوة مع كثرة الجماع أظهر في المعجزة لأن كثرته في قليلهن أقوى من الكثير في الكثير بشهادة الوجدان قيل: وفيه أن له الزيادة على تسع لأنه لما أعطي قوة ما ذكر من العدد فله التزوج بقدر ما أعطي من القوة وليس في محله إذ العدد القليل منهن يكفي العدد الكثير من الرجال ثم إنه لم يبين هذا المأكول الذي في القدر وبينه في خبر الدارقطني عن جابر وابن عباس مرفوعا: أطعمني جبريل الهريسة أشد بها على ظهري وأتقوى بها على الصلاة انتهى، قال الذهبي: وهو واه. وقال بعضهم: ضعيف جدا بل ألف الحافظ ابن ناصر الدين فيه جزءا ذكر فيه أنه موضوع سماه رفع الدسيسة عن أخبار الهريسة.
(تنبيه) أخذ بعضهم من هذا الحديث أنه يندب للرجل تناول ما يقوي شهوته للوقاع كالأدوية المقوية للمعدة لتعظم شهوتها للطعام وكالأدوية المثيرة للشهوة ورده الغزالي بأن المصطفى إنما فعل ذلك لأنه كان عنده منهن العدد الكثير ويحرم على غيره نكاحهن إن طلقهن فكان طلبه القوة لهذا المعنى لا للتلذذ والتنعم وبأنه لا يشتغل قلبه عن ربه بشئ فلا تقاس الملائكة بالحدادين قال وما مثال من يفعل ما يعظم شهوته إلا كمن بلي بسباع ضارية وبهائم عادية فينام عنه أحيانا فيحتال لإثارتها وتهييجها ثم يشتغل بعلاجها وإصلاحها فإن شهوة الطعام والوقاع على التحقيق آلام يراد التخلص منها والتداوي لدفعها عند كمل المؤمنين وأساطين المتقين ووجوه العارفين. (ابن سعد) في طبقاته (عن صفوان بن سليم) الزهري التابعي (مرسلا) هو الإمام القدوة ممن يستشفى بذكره قيل لم يضع جنبه على الأرض منذ أربعين سنة ومناقبه سائرة والحديث وصله أبو نعيم والديلمي من حديث صفوان عن عطاء عن أبي هريرة يرفعه ورواه الخطيب وابن السني في الطب عن حذيفة مرفوعا ثم إن فيه سفيان بن وكيع قال الذهبي عن أبي زرعة متهم بالكذب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ونازعه المؤلف بما حاصله أن له شواهد.
87 - (أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي) وذلك عند انصرافه من غار حراء كما في الدلائل وغيرها (فعلمني الوضوء) بالضم استعمال الماء في الأعضاء الأربعة بالنية عند الشافعية وكذا بدونها عند الحنفية (والصلاة) الأذكار المعروفة والأفعال المشهورة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأصلها الدعاء قال الله تعالى * (وصل عليهم) * أي ادع لهم وفيما نقله الشرع إليه باشتمال على الدعاء قال في الوفاء لم يذكر كيفية الصلاة في هذا الحديث وقد ذكر في حديث البراء أنها ركعتان وهذه الصلاة كانت نفلا لأن الخمس لم تفرض إلا ليلة الإسراء وقيل بل فرضت الصلاة قبله ركعتين قبل غروب الشمس وركعتين قبل طلوعها ثم فرضت الخمس ليلة الإسراء وهو مروي عن عائشة وغيرها وقيل بل المراد بالصلاة هنا التهجد فإنه فرض عليه ثم نسخ قال السهيلي: فالوضوء على هذا الحديث
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة