فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٢٠
الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى محل مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب في بعض الروايات (غير) وفي رواية البخاري " إلا " (خوخة أبي بكر) فلا تسد تكريما له وإظهارا لتميزه بين الملأ. ثم هذه الكلمة إن أريد بها الحقيقة فذلك لأن أهل المنازل الملاصقة للمسجد قد جعلوا لبيوتهم مخترقا يمرون فيه إلى المسجد أو كوة ينظرون منها إليه فأمر بسدها وترك خوخة أبي بكر إعظاما له ثم رمز للناس في ضمن ذلك إلى شأن الخلافة وإن أريد بها المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب القالة دون التطرق إليها والتطلع نحوها. قال بعضهم: والمجاز أقوى إذ لم يصح أن أبا بكر كان منزله بلصق المسجد بل بعوالي المدينة فالقصد بالأمر بالسد سد طرق منازعته في الخلافة على طريق الاستعارة.
وتعقبه المحب الطبري بأنه كان له أيضا دار بلصق المسجد كما رواه عمر بن شيبة في تاريخ المدينة ثم إن ما ذكر عورض بما في عدة أخبار. قال ابن حجر في موضع بأسانيد قوية وفي آخر برجال ثقات من الأمر بسد كل باب في المسجد إلا باب علي وفي بعضها للطبراني: " قالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها " ولأحمد والنسائي والحاكم: " سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم ناس في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته " قال ابن حجر: ورجال الكل ثقات، وللطبراني عن ابن سمرة " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب كلها غير باب علي فربما مر فيه وهو جنب: وللنسائي من طريق العلاء بن عرار قلت لابن عمر أخبرني عن علي وعثمان فذكر الحديث وفيه: " وأما علي فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه " قال ابن حجر: ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء.
وقد وثقه ابن معين وغيره قال: فهذه أحاديث كل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها.
وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضتها لحديث أبي بكر مع أنه قد جمع جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى باب علي لأن بابه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته غيره فلما أمروا بسدها سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول للمسجد منها فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر (عم) وكذا الديلمي وابن مردويه (عن ابن عباس). قال في الفتح: رجاله ثقات.
72 - (أبو بكر مني وأنا منه) أي هو متصل بي وأنا متصل به فهو كبعضي في المحبة والشفقة والطريقة أو هو عندي بمكان جليل أو هو بمكان مني في المودة وأنا منه بمكان فيها (وأبو بكر أخي) أي هو في القرب مني واللصوق بي كالأخ من النسب وزاد قوله (في الدنيا والآخرة) إشارة إلى كمال الارتباط وعدم الافتراق إلى الأبد، وأصل الأخ المشارك في الولادة والرضاع ويستعار لكل مشارك لغيره في فضيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غير ذلك من المناسبات، ذكره الراغب. " والدنيا " تأنيث الأدنى " والآخرة " تأنيث الآخر غلبتا على الدارين فجريا مجرى الأسماء (فر عن عائشة) رمز لضعفه وليس يكفي منه ذلك بل كان ينبغي حذفه إذ فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة. قال الذهبي
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة