فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ١٣٠
85 - (أتاني جبريل فقال إذا توضأت) من الوضاءة وهي الحسن والنضارة والوضوء بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به وهل المراد أنه اسم للماء مطلقا أو للمعد للوضوء أو لما استعمل في أعضائه؟ خلاف (فخلل) ندبا مؤكدا (لحيتك) من التخليل وهو تفريق الشعر ونحوه وأصله إدخال الشئ في خلال الشئ وهو وسطه فيندب تخليل لحية الذكر الكثة، والأفضل كونه بأصابع يمناه ومن أسفل، ونبه بذكر اللحية على ندب تخليل كل شعر يجب غسل ظاهره فقط لكن يستثنى المحرم فلا يخلل إلا إن أمن انتتاف شئ من شعره يقينا ويأتي إن شاء الله تعالى في عدة أحاديث ندب تخليل أصابع اليدين والرجلين أيضا ويظهر أن تخليل اللحية آكد لاختصاره عليها هنا (ش) وكذا ابن عدي وغيره (عن أنس) رمز لحسنه وهو زلل فقد قال ابن حجر بعد عزوه لابن أبي شيبة وابن ماجة وابن عدي في إسناده ضعف شديد هذه عبارته وقال ابن الهمام وهو معلول لكن يقويه بعض قوة ما رواه ابن منيع والديلمي عن أنس أيضا أتاني جبريل فأمرني أن أخلل لحيتي عند الطهور وفيه الهيثم بن حماد عن الرقاشي قال النسائي وغيره وهما متروكان قال الكمال وللتخلل طرق منكرة عن أكثر من عشرة من الصحابة وبها يتقوى.
86 - (أتاني جبريل بقدر) أي بطعام في قدر ويأتي في خبر أنه هريسة وهي لحم وقمح يطبخان معا كما في الوشاح وزاد في رواية ذكرها في الأصل كغيره يقال لها الكفيت بالتصغير والقدر بكسر فسكون إناء يطبخ فيه وهي مؤنثة وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس (فأكلت) أي فقال كل فأكلت (منها) أي مما فيها وكان من طعام الجنة لما رواه أبو نعيم في الطب بإسناد رواه عن معاذ قيل يا رسول الله هل أتيت من طعام الجنة بشئ قال نعم أتاني جبريل بهريسة فأكلتها فزادت قوتي قوة أربعين رجلا في النكاح (فأعطيت قوة) أي قدرة (أربعين) فهي صدقة الاقتدار على الشئ والقوة من أعلى صفات الكمال قال تعالى في صفة جبريل * (ذي قوة) *. (رجلا) في بعض الروايات حذف المميز وهذه الرواية تفسره وفي رواية زيادة من أهل الجنة والرجل الذكر من بني آدم وقد يقال للجن أيضا بخلاف الملك فقد قال ابن حجر كبعض المتقدمين الملائكة ليسوا ذكورا ولا إناثا فلا يقال لهم رجال وأما الجن فيتوالدون فلا يمتنع أن يقال لهم رجال (في الجماع) زاد أبو نعيم عن مجاهد وكل رجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة وصححه الترمذي وقال غريب وأربعون في مائة بأربعة آلاف (فإن قلت) هل للتمدح بكثرة الجماع للنبي صلى الله عليه وسلم من فائدة دينية أو عقلية لا يشاركه فيها غير الأنبياء من البرية؟ قلت: نعم بل هي معجزة من معجزاته السنية إذ قد تواتر تواترا معنويا أنه كان قليل الأكل وكان إذ تعشى لم يتغد وعكسه وربما طوى أياما والعقل يقضي الجماع تنشأ عن كثرة الأكل إذ الرحم يجذب قوة الرجل ولا يجبر ذلك النقص إلا كثرة الغذاء فكثرة الجماع لا تجامع قلة الغذاء عقلا ولا طبا ولا عرفا إلا أن يقع على وجه خرق العادة فكلن من قبيل الجمع بين الضدين وذلك من أعظم المعجزات فتدبر ثم
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة