وقال الحسن: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: إنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما يقدم (1) عليه.
ومن كلامه: أهينوا الدنيا، فوالله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها.
وقال محمد بن المنكدر (2): أرأيت لو أن رجلا صام الدهر لا يفطر، وقام الليل لا يفتر، وتصدق بماله، وجاهد في سبيل الله، واجتنب محارم الله تعالى، غير أنه يؤتى به يوم القيامة فيقال: إن هذا مع ما قد عمل كان يعظم في عينه ما صغر الله، ويصغر في عينه ما عظم الله، كيف ترى يكون حاله! فمن منا ليس هكذا، الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا.
وقد ضربت الحكماء مثلا للدنيا نحن نذكره هاهنا، قالوا مثل الدنيا وأهلها كقوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم المقام، وخوفهم مرور السفينة، واستعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع المواضع وألينها وأوفقها لمراده. وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، وغياضها الملتفة، ونغمات طيورها الطيبة، وألحانها الموزونة الغريبة، ولحظ في تزيينها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان ذوات الاشكال الحسنة المنظر، العجيبة النقش، السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجها، وعجائب صورها، ثم تنبه لخطر فوات السفينة، فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا حرجا، فاستقر فيه، وبعضهم أكب فيها على تلك الأصداف والأحجار، وقد أعجبه حسنها، ولم تسمح نفسه بإهمالها وتركها، فاستصحب منها جملة، فجاء إلى السفينة فلم يجد إلا مكانا ضيقا، وزاده ما حمله ضيقا، وصار ثقلا عليه ووبالا، فندم على أخذه، ولم تطعه نفسه على رميه، ولم يجد موضعا له، فحمله على عنقه