شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٣٢٧
وقال الحسن: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: إنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما يقدم (1) عليه.
ومن كلامه: أهينوا الدنيا، فوالله ما هي لأحد بأهنأ منها لمن أهانها.
وقال محمد بن المنكدر (2): أرأيت لو أن رجلا صام الدهر لا يفطر، وقام الليل لا يفتر، وتصدق بماله، وجاهد في سبيل الله، واجتنب محارم الله تعالى، غير أنه يؤتى به يوم القيامة فيقال: إن هذا مع ما قد عمل كان يعظم في عينه ما صغر الله، ويصغر في عينه ما عظم الله، كيف ترى يكون حاله! فمن منا ليس هكذا، الدنيا عظيمة عنده مع ما اقترفنا من الذنوب والخطايا.
وقد ضربت الحكماء مثلا للدنيا نحن نذكره هاهنا، قالوا مثل الدنيا وأهلها كقوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة، فأمرهم الملاح بالخروج لقضاء الحاجة وحذرهم المقام، وخوفهم مرور السفينة، واستعجالها، فتفرقوا في نواحي الجزيرة، فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة، فصادف المكان خاليا، فأخذ أوسع المواضع وألينها وأوفقها لمراده. وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها العجيبة، وغياضها الملتفة، ونغمات طيورها الطيبة، وألحانها الموزونة الغريبة، ولحظ في تزيينها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان ذوات الاشكال الحسنة المنظر، العجيبة النقش، السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجها، وعجائب صورها، ثم تنبه لخطر فوات السفينة، فرجع إليها فلم يصادف إلا مكانا ضيقا حرجا، فاستقر فيه، وبعضهم أكب فيها على تلك الأصداف والأحجار، وقد أعجبه حسنها، ولم تسمح نفسه بإهمالها وتركها، فاستصحب منها جملة، فجاء إلى السفينة فلم يجد إلا مكانا ضيقا، وزاده ما حمله ضيقا، وصار ثقلا عليه ووبالا، فندم على أخذه، ولم تطعه نفسه على رميه، ولم يجد موضعا له، فحمله على عنقه

(1) ا: (قدم عليه).
(2) كذا في ا، وهو الصواب، وفى ب، د: (المنذر).
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تابع ما ورد من حكمه عليه السلام ومختار أجوبة مسائله، وكلامه 7
2 فصل في الحياء وما قيل فيه 45
3 مثل من شجاعة علي عليه السلام 60
4 قصة غزوة الخندق 62
5 ما جرى بين يحيى بن عبد الله وعبد الله بن مصعب عند الرشيد 91
6 من كلامه عليه السلام لكميل بن زياد النخعي وشرح ذلك 99
7 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن عبيد 116
8 نبذ من غريب كلام الإمام علي وشرحه لابن قتيبة 124
9 خطبة منسوبة للإمام علي خالية من حرف الألف 140
10 من كلامه عليه السلام في وصف صديق وشرح ذلك 183
11 نبذ من الأقوال الحكيمة في حمد القناعة وقلة الأكل 184
12 نبذ من الأقوال الحكيمة في الفقر والغنى 227
13 نبذ من الأقوال الحكيمة في الوعد والمطل 248
14 نبذ من الأقوال الحكيمة في وصف حال الدنيا وصروفها 287
15 أقوال مأثورة في الجود والبخل 316
16 نبذ مما قيل في حال الدنيا وهوانها واغترار الناس بها 326
17 مما ورد في الطيب من الآثار 341
18 نبذ مما قيل في التيه والفخر 352
19 طرائف حول الأسماء والكنى 365
20 أقوال في العين والسحر والعدوي والطيرة والفأل 372
21 نكت في مذاهب العرب وتخيلاتها 383