أيقظوا بها نومكم، واقطعوا بها يومكم، وأشعروها قلوبكم، وارحضوا بها ذنوبكم، وداووا بها الأسقام، وبادروا بها الحمام، واعتبروا بمن أضاعها، ولا يعتبرن بكم من أطاعها.
الا فصونوها وتصونوا بها، وكونوا عن الدنيا نزاها، والى الآخرة ولاها ولا تضعوا من رفعته التقوى، ولا ترفعوا من رفعته الدنيا، ولا تشيموا بارقها، ولا تسمعوا ناطقها، ولا تجيبوا ناعقها، ولا تستضيئوا باشراقها، ولا تفتنوا بأعلاقها، فان برقها خالب، ونطقها كاذب، وأموالها محروبة، وأعلاقها مسلوبة.
الا وهي المتصدية العنون، والجامحة الحرون، والمائنة الخؤون، والجحود الكنود، والعنود الصدود، والحيود الميود! حالها انتقال، ووطأتها زلزال، وعزها ذل، وجدها هزل، وعلوها سفل.
دار حرب وسلب، ونهب وعطب، أهلها على ساق وسياق، ولحاق وفراق، قد تحيرت مذاهبها، وأعجزت مهاربها، وخابت مطالبها، فأسلمتهم المعاقل، ولفظتهم المنازل، وأعيتهم المحاول; فمن ناج معقور، ولحم مجزور، وشلو مذبوح، ودم مسفوح، وعاض على يديه، وصافق بكفيه، ومرتفق بخديه، وزار على رأيه، وراجع عن عزمه.
وقد أدبرت الحيلة، وأقبلت الغيلة، ولات حين مناص هيهات هيهات قد فات ما فات، وذهب ما ذهب، ومضت الدنيا لحال بالها، ﴿فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين﴾ (1).