دعاه بعدما ارتفع النهار، قال: فدخلت عليه فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبين الرمال فراش متكئا على وسادة من أدم، فقال: يا أبا مالك فإنه قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة، وقد أمرت لهم برضخ فاقبضه فأقسمه بينهم، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت بذلك غيري؟ قال: أقسمت [اقبضه] أيها المرء، فبينا أنا عنده إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال:
أدخلهم، فلبث قليلا فقال: هل لك في علي وعباس يستأذنان؟ قال: ائذن لهما، فقال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيننا، وهما يختصمان في السواقي التي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير، فاستبا عند عمر، فقال الرهط الذين عنده: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الاخر، فقال عمر: أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا نورث ما تركنا صدقة؟) يريد بذلك نفسه، فقالوا: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: فإني أخبركم عن هذا الأمر، إن الله تعالى كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم من هذا الفئ بشئ لم يعطه أحدا غيره فقال: (ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط على رسله على من يشاء والله على ك شئ قدير) فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما أحرزها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله في الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض أبو بكر فعمل فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما حينئذ - وأقبل على علي