بيئته التي نشأ فيها:
كانت أسرة ابن أبي الدنيا أسرة خير وفضل، وبيته بيت علم وصلاح.
فأبوه من العلماء المهتمين بالحديث وروايته، مما أسهم في نشأته العلمية، وتكوينه في وقت مبكر، فحببته أسرته في العلم والعلماء، ودفعت به إلى حلق العلم، فأقرأته القرآن والفقه، وحببته في سماع الحديث وكتابته. وبحكم أن والده كان أحد العلماء فقد مكنه ذلك من السماع من أعلام العصر وحفاظه وسنه دون البلوغ، ومن هؤلاء الحفاظ سعيد بن سليمان الواسطي - سعدويه - " ت 229 ه "، وأبو عبيد القاسم بن سلام " ت 224 ه " وخالد بن خداش البصري " ت 223 ه " فأدرك بهؤلاء وطبقتهم إسنادا عاليا، وشارك أصحاب الكتب الستة في كثير من شيوخهم - وقد دلت بعض الروايات على أنه استقل أخذ يطوف على المشايخ بنفسه، وسنه دون العاشرة (1).
وبهذه العناية المركزة والمبكرة من أسرة ابن أبي الدنيا، وبما كان له من اهمة والاقبال استطاع أن يجمع علما غزيرا ويتتلمذ على مئات المشايخ من أئمة العصر وحفاظه. قال الذهبي: " وقد جمه شيخنا أبو الحجاج الحفظ أسماء شيوخه على المعجم، وهم خلق كثير " (2) ثم ذكر الذهبي جزاءا منهم فبلغ عددهم أربعة وتسعين شيخا. وبلغ عدد شيوخه في كتاب الصمت وحده أكثر من مائتي شيخ.
وبهذا تكونت شخصية ابن أبي الدنيا العلمية، فهو حنبلي المذهب، سلفي العقيدة، زهدي المشرب، وعمل على بث هذه الروح الأخلاقية الايمانية، ورصد نفسه لها، وأنشأ في تقعيدها وإذاعتها ما يزيد على مائة مصنف.