ولعل سبب هذه الأدواء يرجع إلى انخرام عنصر التوجه وإحضار النية في جميع الأعمال، ومنها كذلك ما نراه عند بعض الغيورين من التضخم في جانب على حساب جانب آخر، فيلحظ الناقد من المربين اختلالا كبيرا في التكوين، ويتحسس العلل الخفية القادحة فيهم ويرى الهزال والضمور والاضطراب في الأفكار والمواقف كنتيجة لهذا القصور والإخلال، فكم من جرئ قضى شهيدا - عند الناس -، وكم من سخي كريم أنفق ماله في وجوه البر - في نظر الناس -، وكم من عالم محيط يبث العلم هنا وهناك - قد أعجب الناس به - وهم جميعا في آخر الامر أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم والحديث ثابت في الصحيح (1).
ومرد هذه العلة - كما ذكرنا العلة - كما ذكرنا - يعود إلى ضياع قاعدة الأعمال، وأصلها الأصيل، وهو التوجه إلى الله سبحانه في جميع النشاطات والتصرفات ويليها في الدرجة الدندنة حول فروع تضيع معها الفرائض، وتنتهك باسمها المحارم وتستباح الحقوق.
وميدان الأخوة من الميادين المهمة التي تدل على توافر عنصر الإخلاص في الذين يرعون ذمارها، ويفون بحقوقها، ذلك أن الأخوة الإسلامية رباط مقدس ربط الله به أبناء هذا الدين، فقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (2) وقال سبحانه: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (3) وهذه الولاية في الله تعالى إنما هي وشيجة مجردة لا مطمع فيها ولا مطمح، لا يحرص عليها ولا يتحمل تبعاتها، ويخفض الجناح لأهلها إلا كل صالح نقي حريص على مرضاة ربه وطاعته، ولذلك جعل الله تعالى المؤمنين المتنازلين عن حقوقهم لمن جار عليهم من إخوانهم بأي شكل من أشكال الجور من