أثره في مجتمعه:
وكان لابن أبي الدنيا الأثر الكبير في مجتمعه، تجلى ذلك في تربيته لأولاد الخلفاء (1) الذين هم من أهم طبقات المجتمع، وممن سيتولى مقاليد أمور المسلمين وبصلاحهم تصلح البلاد، ويسعد العباد، كما تجلى في تدريسه وتعليمه لعدد هائل من طلبة العلم، وقد تخرج على يديه منهم جمع غفير أصبحوا من أفراد الأمة علما وصلاحا.
كما أسهم في الحركة الاصلاحية التي استهدفت تربية الجماهير العظيمة المقبلة على هذا الدين عن طريق التأليف والتصنيف مقتفيا أثر شيخه الإمام أحمد ومن قبله من أمثال عبد الله بن المبارك وسفيان الثوري، فألف في التربية والزهد والرقائق مؤلفات جمة، وصفها الحافظ ابن كثير (2) فقال: " المشهور بالتصانيف الكثير النافعة الشائعة في الرقاق وغيرها، وهي تزيد على مائة مصنف، وقيل: إنها نحو الثلاثمائة مصنف ".
ويكفي للدلالة على حرصه في تسديد المسلمين، وتحذيرهم من مزالق الشيطان قيامه بوضع هذه التآليف الوافرة في ميدان الأخلاق والتربية والإصلاح، وعلى رأسها " كتاب الصمت وآداب اللسان " (3) فإنه قد صنفه في فترة كانت مشحونة باللغط واللغو والانقسامات وما يترتب عليها من مشاحنات، وهو أمر يفرزه الترف الفكري، وتعين عليه البطالة وفى مثل هذا الجو يزخرف الشيطان للناس حب الكلام حتى تصبح شهوة مستحكمة، ويزين لكل قائل مقالته، وهذا ينبهنا أيضا - إلى أن الحافظ ابن أبي الدنيا كان مربيا مع كونه عالما، وداعية قصد بالتصنيف نصيحة الأمة والاخذ بيدها، لا مجرد التصنيف فحسب، فكانت مصنفاته هادفة، لذا عم نفعها، وذاع صيتها، وعظم أثرها.
واستمر أبو بكر بن أبي الدنيا مؤديا لرسالته إلى آخر حياته وظل بيت العلم، ويتصدر لتدريسه وقد جاوز السبعين من عمره، إذ سمع منه كثير من