وعلى الرغم مما تقدم، فإن للرحلة - إذا صحت فيها النية - فوائد جمة، ففضلا عن أنها باب جليل من أبواب الجهاد والاجتهاد في طلب العلم، فهي تمكن صاحبها من جمع مادة وافرة، وإدراك الشيوخ المعمرين فيتحصل علو الإسناد - ولقاء الحفاظ المتقنين والمذاكرة لهم والاستفادة منهم.
رابعا: آراء العلماء فيه:
احتل ابن أبي الدنيا في الحديث والآداب والسير مكانة مرموقة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وصنفه الأئمة في عداد الحفاظ الكبار، واصطفته الخلفاء لتدريب أولادهم وتثقيفهم، وكان طلبة العلم يقصدونه من كل مكان ليسمعوا منه. قال الدكتور حسن إبراهيم: " وقد نبغ في عهد المعتضد كثير من الكتاب والمفكرين والشعراء نخص بالذكر منهم ابن أبي الدنيا " ت 281 ه " مثقف الخليفة المكتفى في حداثته... " (1).
وممن وثقه وأبان عن فضله ومنزلته من النقاد المعاصرين له ابن أبي حاتم قال: " كتب عنه مع أبي، قال: وسئل أبى عنه، فقال، بغدادي صدوق " (2).
وقال أبو على صالح بن محمد البغدادي، الملقب بجزرة: " صدوق وكان يختلف معنا... " (3).
وقال القاضي أبو الحسن وبكرت إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي يوم مات ابن أبي الدنيا، فقلت: أعز الله القاضي مات ابن أبي الدنيا فقال:
" رحم الله ابن أبي الدنيا، مات معه علم كثير ".
أما من وثقه وأثنى عليه من الأئمة النقاد ممن خلفوه: المؤرخ المسعودي إذ ذكره في وفيات " 281 ه " وذكره أنه مؤدب المكتفى بالله، وصاحب الكتب المصنفة في الزهد وغيره، ثم قال: " وإنما نذكر وفاة هؤلاء لدخولهم