التعامل المجدي مع النصوص العلمية، وكذا تكون صورة العلم النافع وبدون هذا التصور الحركي يصبح استحضار هذه النصوص وإحياؤها هروبا من الواقع، وضربا من المتعة والتسلية، وسبيلا إلى ملء الجعبة بالمعلومات والروايات، كنوع من أنواع الترف الثقافي البارد الذي لا يدفع ولا ينفع والعياذ بالله.
وهذا الكتاب القيم " كتاب الإخوان " للإمام ابن أبي الدنيا يعرض صورا مشرقة، صورة من حياة السلف وما كانوا عليه من الصفاء والوفاء، والمودة والإخاء والتواصل والتراحم، والترابط والتكافل. صورا أشبه ما تكون بالخيال، ولكنها واقع حي ملموس، واقع عاشته الأجيال المسلمة فترات متعاقبة من الزمان، ويمكن بإحيائه واستحضاره والاتساء به أن تجدد الصلة الحية بين ماضي هذه الأمة وحاضرها، فيكون دافعا لانطلاقة أخويه صادقة تجمع الشمل، وتقرب الامل البعيد، فإنه بما اشتمل عليه من الصور الواقعية الحية يدعو المسلمين من أبناء هذا الجيل إلى أن يصنعوا كما صنع سلفهم الصالح المصلح، فيحولوا الأحاسيس والمشاعر إلى مواقف ومآثر ويترجموا الانفعال إلى أفعال، ولا يخزنوا النصوص في الذاكرة بل يتذكرونها ويتمثلونها في المواقف والأحوال.
وهذا السفر المبارك " كتاب الإخوان " يحتاجه الكبار قبل الصغار، والراسخون في العلم قبل المبتدئين فيه، كما يحتاجه المتصدرون للدعوة قبل غيرهم. ومن أجل هذه الطبقة المتقدمة وضع الإمام ابن أبي الدنيا معظم مصنفاته، وذلك ليضبط نشاطهم بمعايير الشرع، وصورة التطبيقية عند السلف، فكم من كبير في العلم تقزمت مواقفه وتصاغرت إلى حد لا يصنعه الكثير من ناشئة المسلمين