2 - الحديث:
وكذلك الحديث، فإن ابن أبي الدنيا نهض لطلب الحديث وسماعه، وسنه دون العاشرة، واعتنى به عناية فائقة، فسمع كثرة من الكتب والمسانيد والسنن، ولقي المئات من الشيوخ والأئمة فتحمل منهم علما غزيرا، وكان من حبه للحديث، واستغراقه في طلبه أن سمع ممن هم دون طبقته، قال الذهبي: " حتى كتب عن أقرانه، بل عن أصغر منه " (1).
ولتمكنه من هذا العلم الشريف أطلق عليه لقب " الحافظ " ومصنفاته كلها على تنوع مادتها وفنونها تعبر كتبا حديثية، وذلك لأنها مروية بالإسناد وقد تلقاها من أفواه مشايخه. وله رأى معتبر عند الأئمة في نقد الرجال، وهو ما يسمى بعلم " الجرح والتعديل "، قال ابن حجر في ترجمته " الحسن بن ذكوان " قال ابن أبي الدنيا: " وكان يحيى يحدث عنه، وليس عندي بالقوى (2) وقال في ترجمة " محمد بن فراس أبى هشام الضبعي، قال ابن أبي الدنيا: بصري ثقة " (3) ولولا أن حكمه معتبر عند الأئمة في هذا الشأن لما أوردوه في مصنفاتهم ولما اعتبروه. وقد كان يصدر أحكامها على بعض من لقيه من الشيوخ لتقييم حديثهم، وبيان درجتهم: من ذلك قوله في أحد شيوخه:
" حدثنا الوليد بن سفيان العطاردي البصري، وكان ثقة " (4). وتبين لي أن حكم ابن أبي الدنيا على هذا الشيخ بالتعديل ذو قيمة وأهمية بالغة، فإني لم أقف على من تكلم فيه سواه.
3 - عنى الحافظ ابن أبي الدنيا بالعربية منذ نشأته، وتخرج بعلم من أعلامها الكبار، ذلك هو الإمام المجتهد أبو عبيد القاسم بن سلام (5) " ت 224 ه ".
وقد تمكن من اللغة حتى كان يدرس أمهاتها لطلابه، حكى عن نفسه