[و] قد كانت أم المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر، فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان يحمل الراية واللواء لا يحسن تركها، وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب لها: أنا فلان ابن فلان، فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه، وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت، وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت، ثم لم يعد. ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه، ففقئت عينه ونكل فجاء الأشتر، فحامله عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وإنه لأقطع منزوف، فاعتنقه، ثم جلد به الأرض عن دابته، فاضطرب تحته، فأفلت وهو جريض.
[و] كان لا يجيء رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول: أنا فلان بن فلان يا أم المؤمنين، فجاء عبد الله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله، أنا ابن أختك، قال واثكل أسماء، - تعني أختها - وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم، فخرج عبد الله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فمشى إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين، فقتله الأشتر، ومشى إليه عبد الله بن الزبير، فضربه الأشتر على رأسه، فجرحه جرحا شديدا، وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة، واعتنق كل واحد منهما صاحبه، وخرا إلى الأرض يعتركان فقال عبد الله بن الزبير: " اقتلوني ومالكا ".
وكان مالك يقول: ما أحب أن يكون قال: " والأشتر " وإن لي حمر النعم. وشد ناس من أصحاب علي وأصحاب عائشة فافترقا، وتنقذ كل واحد من الفريقين صاحبه.