وقال: الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم، فقال له ابن عباس: إن الذي يسرك من ذلك ليسوءني، إن الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب، ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيهم من يسمو إلى أمر لا يناله، فإذا كان كذلك شغب على الذي نال حتى يفثأه فيفسد بعضهم على بعض. فقال علي: إن الأمر ليشبه ما تقول، ولكن الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم سابقة وقدمة، فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم، فإن أقنعهم ذلك كان خيرا لهم، وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شرا على من هو شر له. فقال ابن عباس: إن ذلك لأمر لا يدرك إلا بالقنوع.
جاء عليا الخبر عن طلحة والزبير وأم المؤمنين، فأمر على المدينة تمام بن العباس، وبعث إلى مكة قثم بن العباس، وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق، وأراد ان يعترضهم، فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه، وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن.
بلغ عليا الخبر وهو - بالمدينة - باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالذي اجتمع عليه ملؤهم، طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم، وبلغه قول عائشة، وخرج على يبادرهم في تعبيته التي كان تعبي بها إلى الشام، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين علي في سبعمائة رجل، وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج، فلقيه عبد الله بن سلام، فأخذ بعنانه، وقال:
يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها، فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا، فسبوه، فقال: دعوا الرجل، فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرهم، فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة.