عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٤٧
وأخرجه ابن ماجة فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدة بن سليمان عن عمرو بن ميمون. قال: سألت سليمان بن يسار... فذكره.
بيان لغته وما يستنبط منه قوله: (أغسل الجنابة)، قال الكرماني: الجنابة معنى لا عين، فكيف يغسل؟ قلت: المضاف محذوف أي: أثر الجنابة، أو موجوبه أو هي مجاز عنه، ويقال: المراد من الجنابة: المني، من باب تسمية الشيء باسم سببه، وان وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها. قلت: يجوز أن تكون عائشة، رضي الله عنها، أطلقت على: المني، اسم الجنابة، فحينئذ لا حاجة إلى التقدير بالحذف أو بالمجاز. قوله: (وإن بقع الماء)، بضم الباء الموحدة وفتح القاف وبالعين المهملة: جمع بقعة، كالنطف والنطفة، والبقعة في الأصل قطعة من الأرض يخالف لونها لون ما يليها، وفي بعض النسخ، بفتح الباء الموحدة وسكون القاف، جمع بقعة: كتمرة وتمر، مما يفرق بين الجنس الواحد منه بالتاء. وقال التيمي: بريد بالبقعة الأثر. قال أهل اللغة: البقع اختلاف اللونين، يقال: غراب أبقع. وقال ابن بطال: البقع بقع المني وطبعه. قلت: هذا ليس بشيء، لأن في الحديث صرح: وإن بقع الماء، ووقع عند ابن ماجة: وأنا أرى أثر الغسل فيه، يعني لم يجف.
ومن أحكام هذا الحديث: أنه حجة للحنفية في قولهم: إن المني نجس، لقول عائشة: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي، صلى الله عليه وسلم، وقولها: كنت، يدل على تكرار هذا الفعل منها، فهذا أدل دليل على نجاسة المني. وقال الكرماني: فالحديث حجة لمن قال بنجاسة المني. قلت: لا حجة له لاحتمال أن يكون غسله بسبب أن ممره كان نجسا، أو بسبب اختلاطه برطوبة فرجها، على مذهب من قال بنجاسة رطوبة فرجها. انتهى. قلت بلى: له حجة، وتعليله بهذا لدعواه لا يفيد شيئا، لأن المشرحين من الأطباء الأقدمين قالوا: إن مستقر المني في غير مستقر البول، وكذلك مخرجاهما، وأما نجاسة رطوبة فرج المرأة ففيها خلاف عندهم.
ومن أحكامه: خدمة المرأة لزوجها في غسل ثيابه ونحو ذلك، خصوصا إذا كان من أمر يتعلق بها، وهو من حسن العشرة وجميل الصحبة.
ومنها: نقل أحوال المقتدى به، وإن كان يستحي من ذكرها عادة.
ومنها: خروج المصلي إلى المسجد بثوبه الذي غسل منه المني قبل جفافه.
230 حدثنا قتيبة قال حدثنا يزيد قال حدثنا عمر وعن سليمان بن يسار قال سمعت عائشة ح وحدثنا مسدد قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار قال سألت عائشة عن المني يصيب الثوب فقالت كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلي الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء.
اخرج البخاري هذا الحديث عن خمسة أنفس، ثلاثة منهم في هذا الباب، وهم: عبدان وقتيبة ومسدد، واثنان منهم في الباب الذي يليه، وهما: موسى بن إسماعيل وعمرو بن خالد، وقد ذكروا عن قريب، وذكرنا أيضا من أخرجه غيره.
ورجاله ههنا سبعة: قتيبة بن سعيد، وقد تقدم في باب السلام من الاسلام. والثاني: يزيد، من الزيادة، وذكره البخاري غير منسوب مجردا، واختلف فيه، فقيل: هو يزيد بن زريع، وقيل: يزيد بن هارون، وكلاهما رويا عن عمرو بن ميمون، ووقع في رواية الفربري: ابن حماد بن شاكر: هكذا حدثنا يزيد، غير منسوب، ووقع في رواية ابن السكن، أحد الرواة عن الفربري: حدثنا يزيد، يعني ابن زريع. وكذا أشار إليه الكلاباذي، ورجح الشيخ قطب الدين الحلبي في شرحه أنه ابن هارون، قال: لأنه لم يوجد من رواية ابن زريع، ووجد من رواية ابن هارون، وقال بعضهم: لا يلزم من عدم الوجدان عدم الوجود، وقد جزم أبو مسعود بأنه رواه، فدل على وجدانه. قلت: ليس كذلك، فإن أبا مسعود ما جزم به، وإنما قال: يقال: هو ابن هارون: لا ابن زريع؛ ورواه الإسماعيلي من طريق الدورقي، وأحمد بن منيع ويوسف بن موسى قالوا: حدثنا يزيد بن هارون ورواه أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة أخبرنا يزيد بن هارون ورواه أبو نصر السجزي في (فوائده) من طريق إبراهيم بن محمد التيمي، حدثنا يزيد بن هارون قال أبو نصر: أخرجه البخاري عن قتيبة عن يزيد بن هارون. وقال الجياني: حدثنا أبو عمر النمري حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا ابن الأعرابي أخبرنا محمد بن عبد الملك حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عمرو. انتهى. ورجح هذا القائل كلامه في كون يزيد هذا ابن زريع لا ابن هارون بشيئين لا ينهض كلامه بهما. أولهما: بقوله: وقد خرجه الإسماعيلي
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»