67 ((باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء)) أي: هذا باب في بيان حكم وقوع النجاسة في السمن والماء، فكلمة: ما، مصدرية وكلمة: من بيانية. وقال بعضهم: باب ما يقع... الخ. أي: هل ينجسهما أم لا؟ أو: لا ينجس الماء إلا إذا تغير دون غيره. قلت: لا حاجة إلى هذا التفسير، فكأنه لما خفي عليه المعنى الذي ذكرناه قدر ما قدره.
فان قلت: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله؟ قلت: من حيث إن في هذا الباب السابق ذكر بول ما يؤكل لحمه، والبول في نفسه نجس، وكذلك في هذا الباب ذكر الفأرة التي هي نجس، وذكر الدم كذلك والإشارة إلى أحكامهما على ما جاء من السلف ومن الحديث.
وقال الزهري لا بأس بالماء ما لم يغيره طعم أو ريح أولون الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب الفقيه المدني، نزيل الشام، ثم الكلام فيه على أنواع. الأول: أن هذا تعليق من البخاري، ولكنه موصول عن عبد الله بن وهب في مسند: حدثنا يونس عن ابن شهار أنه قال: كل ما فضل مما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا لونه ولا ريحه، فلا بأس أن يتوضأ به. وورد في هذا المعنى حديث عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه). رواية ابن ماجة: حدثنا محمود ابن خالد والعباس بن الوليد الدمشقيان قال: حدثنا مروان بن محمد حدثنا رشدين، أخبرنا معاوية بن صالح عن راشد ابن سعد عن أبي أمامة، رضي الله عنه، وقال الدارقطني: إنما يصح هذا من قول راشد بن سعد ولم يرفعه غير رشدين. قلت: وفيه نظر، لأن أبا أحمد بن عدي رواه في (الكامل) من طريق أحمد بن عمر عن حفص بن عمر حدثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن أبي أمامة فرفعه. وقال: لم يروه عن ثور إلا حفص. قلت: وفيه نظر أيضا، لأن البيهقي رواه من حديث أبي الوليد عن الساماني عن عطية بن بقية بن الوليد عن أبيه عن ثور، وقال البيهقي: والحديث غير قوي إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافا.
النوع الثاني في معناه: قوله: (لا بأس) أي: لا حرج في استعمال ماء مطلقا ما لم يغيره طعم أو ريح أو لون. وقوله: (لم يغيره)، جملة من الفعل والمفعول. وقوله: (طعم) بالرفع فاعله، وحاصل المعنى: كل ماء طاهر في نفسه ولا يتنجس بإصابة الأذى، أي: النجاسة إلا إذا تغير أحد الأشياء الثلاثة منه، وهي: الطعم والريح واللون. فان قلت: الطعم أو الريح أو اللون هو المغير، بفتح الياء آخر الحروف المشددة، لا المغير على صيغة الفاعل، والمغير، بالكسر هو الشيء النجس الذي يخالطه، فكيف يجعل الطعم أو الريح أو اللون مغيرا على صيغة الفاعل على ما وقع في رواية البخاري، وأما الذي في عبارة عبد الله بن وهب فهو على الأصل. قلت: المغير في الحقيقة هو الماء، ولكن تغييره لما كان لم يعلم إلا من جهة الطعم أو الريح أو اللون فكأنه صار هو المغير، وهو من قبيل ذكر السبب، وإرادة المسبب. وقال الكرماني: لا بأس، أي لا يتنجس الماء بوصول النجس إليه قليلا أو كثيرا، بل لا بد من تغير أحد الأوصاف الثلاثة في تنجسه، والمراد من لفظ: ما لم يغيره طعمه، ما لم يتغير طعمه. فنقول: لا يخلو إما أن يراد بالطعم، المذكور في لفظ الزهري، طعم الماء أو طعم الشيء المنجس، فعلى الأول معناه: ما لم يغير الماء عن حاله التي خلق عليها طعمه، وتغيره طعمه لا بد أن يكون بشيء نجس، إذا البحث فيه. وعلى الثاني معناه: ما لم يغير الماء طعم النجس، ويلزم منه تغير طعم الماء، إذ لا شك أن الطعم هو المغير للطعم، واللون للون، والريح للريح، إذ الغالب أن الشيء يؤثر في الملاقي بالنسبة، وجعل الشيء متصفا بوصف نفسه، ولهذا يقال: لا يسخن إلا الحار، ولا يبرد إلا البارد، فكأنه قال: ما لم يغير طعم الماء طعم الملاقي النجس، أو لا بأس، معناه: لا يزول طهوريته ما لم يغيره طعم من الطعوم الطاهرة أو النجسة. نعم، إن كان المغير طعما نجسا ينجسه، وإن كان طاهرا يزيل طهوريته لا طهارته، ففي الجملة في اللفظ تعقيد. انتهى. قلت: تفسيره هكذا هو عين التعقيد لأنه فسر قوله: (لا بأس) بمعنيين: أحدهما بقوله: (أي لا يتنجس...) إلى آخره، والآخر بقوله: (لا يزول طهوريته). وكلا المغنيين لا يساعدهما اللفظ، بل هو خارج عنه. وقوله: (المغير للطعم هو الطعم) غير سديد،