عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٤٦
صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه إذا اصابه المني: حدثنا يونس، قال: حدثنا يحيى بن حسان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك وبشر بن المفضل عن عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: (كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء لفي ثوبه). وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الجماعة أيضا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. قال الطحاوي: فهكذا كانت تفعل عائشة بثوب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه، تغسل المني منه وتفركه من وثبه الذي كان لا يصلي فيه، ثم إن هذا القائل استدل في رده على الطحاوي فيما ذكرناه بأن قال: وهذا التعقيب بالفاء ينفي... الخ، وهذا استدلال فاسد، لأن كون الفاء للتعقيب لا ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة، لأن أهل العربية قالوا: إن التعقيب في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: تزوج فلان فولد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وهو مدة متطاولة، فيجوز على هذا أن يكون معنى قول عائشة: لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرادت به ثوب النوم، ثم تغسله فيصلي فيه، ويجوز أن تكون: الفاء، بمعنى: ثم، كما في قوله تعالى: * (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الغظام لحما) * (المؤمنون: 14). فالفاآت، فيها بمعنى: ثم، لتراخى معطوفاتها، فإذا ثبت جواز التراخي في المعطوف يجوز أن يتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه مدة يجوز وقوع الغسل في تلك المدة، ويؤيد ما ذكرنا ما رواه البزار في (مسنده) والطحاوي في (معاني الآثار) عن عائشة، قالت: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فيه. قوله: وأصرح منه رواية ابن خزيمة... الخ لا يساعده أيضا فيما ادعاه، لأن قوله: وهو يصلي، جملة اسمية وقعت حالا منتظرة، لان عائشة، رضي الله تعالى عنها، ما كانت تحك المني من ثوب النبي، صلى الله عليه وسلم، حال كونه في الصلاة، فإذا كان كذلك يحتمل تخلل الغسل بين الفرك والصلاة.
229 حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا عمرو بن ميمون الجزري عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه.
.
لم يطابق الحديث الترجمة إلا في غسل المني فقط، وقد ذكرناه.
بيان رجاله وهم خمسة: عبدان، بفتح العين وسكون الباء الموحدة، تقدم في باب الوحي، وعبد الله بن المبارك كذلك، وقال الكرماني: وعبد الله، أي: ابن المبارك فكأنه وقع في نسخته التي ينقل عنها: عبد الله، منسوبا إلى الأب بالتفسير من البخاري، فلذلك قال: اي ابن المبارك، ثم قال: وقاله على سبيل التعريف إشعارا بأنه لفظه لالفظة نسخته، وعمرو بن ميمون الجزري منسوب إلى الجزيرة، وكان ميمون بن مهران والد عمرو نزلها فنسب إليها ولده، وقال بعضهم: ووقع في رواية الكشميهني وحده: الجوزي، بواو، ساكنة بعدها: زاي، وهو غلط منه. قلت: الظاهر أن الغلط من الناقل أو الكاتب، فدور رأس: الزاي، ونقط: الراء، فصار: الجوزي. وقد يقع من الناقلين والكتاب الجهلة أكثر من هذا وأفحش. والرابع: سليمان بن يسار، ضد اليمين، مولى ميمونة أم المؤمنين، فقيه المدينة العابد الحجة، توفي عام سبعة ومائة. والخامس: عائشة الصديقة.
بيان لطائف اسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: أن رواته ما بين مروزي ورقي ومدني، فعبدان وابن المبارك مروزيان، وعبدان لقب واسمه عبد الله بن عثمان، وقد ذكرناه غير مرة.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري هنا عن عبدان وعن قتيبة وعن مسدد وعن موسى ابن إسماعيل وعن عمرو بن خالد، كما يأتي ذكر الجميع ههنا. وأخرجه مسلم في الطهارة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن أبي كامل وعن أبي كريب ويحيى بن أبي زائدة، أربعتهم عن عمرو بن ميمون به. وأخرجه أبو داود فيه عن النفيلي عن زهير به، وعن محمد بن عبيد البصري عن سليم بن أحصد عن عمرو بن ميمون به. وأخرجه الترمذي فيه عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن عمرو بن ميمون نحوه، وقال: حسن صحيح. وأخرجه النسائي فيه عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به.
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»