عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٤٣
تقتضي عدم المسبوقية بالغير، والفاء تقتضي المسبوقية به، فيكف يجتمعان؟ قلت: هو عطف على مقدر أي: أيكون لي حكم الحائض فادع الصلاة، أو الهمزة مقحمة، أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف الجملة على الجملة لعدم انسحاب ذكر الأول على الثاني، أو الهمزة باقية على صرافة الاستفهامية، لأنها للتقرير هنا، فلا يقتضي الصدارة. انتهى كلامه. قلت: هذا سؤال عن استمرار حكم الحائض في حالة دوام الدم وإزالته، وهو كلام من تقرر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة. قوله: (لا أي: لا تدعي الصلاة. قوله: (ذلك) بكسر الكاف. قوله: (عرق) أي: دم عرق، لأن الخارج ليس بعرق. قوله: (فإذا أقبلت) أي: الحيضة، (فدعي الصلاة) اي: اتركيها، (وإذا أدبرت) أي: إذا انقطعت. فإن قلت: ما علامة إدبار الحيض وإنقطاعه، والحصول في الطهر. قلت: أما عند أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، وأصحابه: الزمان والعادة هو الفيصل بينهما، فإذا أضلت عادتها تحرت، وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل، وأما عند الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفيصل، فالأسود أقوى من الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر، والأصفر أقوى من الأكدر إذا جعلا حيضا، فتكون حائضا في أيام القوى، مستحاضة في أيام الضعف، والتمييز عنده بثلاثة شروط: أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوما. والثاني: أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا. والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما، ليمكن جعله طهرا بين الحيضتين، وبه قال مالك وأحمد، وقال الثوري: علامة انقطاع الحيض والحصول في الطهر أن ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة، سواء خرجت رطوبة بيضاء أو لم يخرج شيء أصلا. وقال البيهقي، وابن الصباغ: الترية رطوبة خفيفة لا صفرة فيها ولا كدرة، تكون على القطنة أثر لا لون، وهذا يكون بعد انقطاع الحيض. قلت: الترية، بفتح المثناة من فوق وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف، قال ابن الأثير: الترية، بالتشديد: ما تراه المرأة بعد الحيض والاغتسال منه من كدرة أو صفرة. وقيل: هو البياض تراه عند الطهر. وقيل: هي الخرقة التي تعرف بها المرأة حيضها من طهرها. و: التاء، فيها زائدة، لأنه من الرؤية، والأصل فيها الهمز لكنهم تركوه وشددوا الياء، فصارت اللفظة كأنها فعلية، وبعضهم يشدد الراء. قوله: (فاغسلي عنك الدم ثم صلي) ظاهره مشكل لأنه لم يذكر الغسل ولا بد بعد انقضاء الحيض من الغسل، وأجيب، عنه: بأن الغسل، وإن لم يذكر في هذه الرواية، فقد ذكر في رواية أخرى صحيحة، قال فيها: فاغتسلي...، والحديث يفسر بعضه بعضا، وجواب آخر هو: بأن يحمل الإدبار على انقضاء أيام الحيض والاغتسال. وقوله: (واغسلي عنك الدم) محمول على: دم، يأتي بعد الغسل، والأول أوجه وأصح، وأما قول بعضهم: فاغسلي عنك الدم وصلي، أي: فاغتسلي، فغير موجه أصلا. قوله: (قال: وقال أبي) أي: قال هشام بن عروة: قال أبي، وهو عروة ابن الزبير. قوله: (ثم توضيء لكل صلاة) جملة مقول القول، وادعى قوم أن قوله: (ثم توضيء) من كلام عروة موقوفا عليه. وقال الكرماني: فان قلت: لفظ: (توضئي...) الخ مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو هو موقوف على الصحابي؟ قلت: السياق يقتضي الرفع، وقال بعضهم: لو كان هذا كلام عروة لقال: ثم تتوضأ، بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكل الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله: (فاغسلي). قلت: كلام كل من الكرماني وهذا القائل احتمال، فلا يقع به القطع ولا يلزم من مشاكلة الصيغتين الرفع.
بيان استنباط الاحكام الأول: فيه جواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بأمر من أمور الدين.
الثاني: فيه جواز استماع صوت المرأة عند الحاجة الشرعية.
الثالث: فيه نهي للمستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض، وهو نهي تحريم، ويقتضي فساد الصلاة هنا بإجماع المسلمين، ويستوي فيها الفرض والنفل لظاهر الحديث، ويتبعها الطواف وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر.
الرابع: فيه دليل على نجاسة الدم.
الخامس: فيه أن الصلاة تجب بمجرد انقطاع دم الحيض. وأعلم أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال لأول صلاة تدركها، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوما، ويكون حكمها حكم الطاهرات، فلا تستظهر بشيء أصلا، وبه قال الشافعي. وعن مالك ثلاث روايات: الأولى: تستظهر ثلاثة أيام وما بعد ذلك استحاضة. والثانية: تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوما، وهي أكثر مدة الحيض عنده. والثالثة: كمذهبنا.
السادس: استدل بعض أصحابنا في إيجاب الوضوء من خروج الدم من غير السبيلين، لأنه
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»