عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٥١
وقوله: إلى جنبه، خبره ويكون محل الجملة النصب على الحال، وعلى تقدير جر: السرقين، يكون ارتفاع: البرية، على الابتداء. وما بعده خبره، والجملة حال أيضا وفاعل: قال، أبو موسى، رضي الله تعالى عنه. قوله: (ههنا) اسم موضع، ومحله رفع على الابتداء، و: ثم، عطف عليه، وخبره قوله: سواء، يعني: أنهما متساويان في صحة الصلاة. قال ابن بطال: قوله: أبوال الإبل والدواب، وافق البخاري فيه أهل الظاهر، وقاس بول ما يكون مأكولا لحمه على بول الإبل، ولذلك قال: وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين، ليدل على طهارة أرواث الدواب وأبوالها، ولا حجة له فيها، لأنه يمكن أن يكون صلى على ثوب بسطه فيه أو في مكان يابس لا تعلق به نجاسة. وقد قال عامة الفقهاء: إن من بسط على موضع نجس بساطا وصلى فيه إن صلاته جائزة، ولو صلى على السرقين بغير بساط لكان مذهبا له، ولم تجز مخالفة الجماعة به. وقال بعضهم نصرة للبخاري وردا على ابن بطال: وأجيب بأن الأصل عدمه، وقد رواه سفيان الثوري في (جامعه) عن الأعمش بسنده، ولفظه: صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين، وهذا ظاهر في أنه بغير حائل. قلت: الظاهر أنه كان بحائل، لأن شأنه يقتضي أن يحترز عن الصلاة على عين السرقين، ثم قال هذا القائل: وقد روى سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب وغيره: أن الصلاة على الطنفسة محدث، إسناده صحيح. قلت: أراد بهذا تأييد ما قاله، ولكنه لا يجديه، لأن كون الصلاة على الطنفسة محدثة لا يستلزم أن يكون على الحصير ونحوه كذلك، فيحتمل أن يكون أبو موسى قد صلى في دار البريد والسرقين على حصيرا ونحوه، وهو الظاهر، على أن الطنفسة، بكسر الطاء وفتحها: بساط له خمل رقيق، ولم يكونوا يستعملونها في حالة الصلاة كاستعمال المترفين إياها، فكرهوا ذلك في الصدر الأول، واكتفوا بالدون من السجاجيد تواضعا، بل كان أكثرهم يصلي على الحصير، بل كان الأفضل عندهم الصلاة على التراب تواضعا ومسكنة.
233 حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال قدم اناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جىء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر ت أعينهم والقوافي الحرة يستسقون فلا يسقون.
.
مطابقة الحديث للترجمة في بول الإبل فقط، والمذكور فيها أربعة أشياء.
بيان رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا، فسليمان بن حرب في باب من كره أن يعود في الكفر، وحماد في باب المعاصي من أمر الجاهلية، وأيوب السختياني التابعي في باب حلاوة الإيمان، وأبو قلابة، بكسر القاف: عبد الله، كذلك. وكلهم أعلام أئمة بصريون. (بيان لطائف اسناده) فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد والباقي عنعنة في أبعة مواضع. وفيه: رواية التابعي عن التابعي. وفيه: أن الرواة بصريون.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري في ثمانية مواضع: هنا عن سلمان بن حرب، وفي المحاربين عن قتيبة، وفي الجهاد عن معلى بن أسد، وفي المحاربين عن موسى بن إسماعيل، وعن علي بن عبد الله، ومحمد بن الصلت، وفي التفسير عن علي بن عبد الله، وفي المغازي عن محمد بن عبد الرحيم، وفي الديات عن قتيبة. وأخرجه مسلم في الحدود عن هارون بن عبد الله بن سليمان بن حرب، وعن الحسن بن أحمد، وعن عبد الله بن عبد الرحمن، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح، وعن محمد بن المثنى، وعن أحمد بن عثمان النوفلي. وأخرجه أبو داود في الطهارة عن سليمان بن حرب، وعن موسى بن إسماعيل، وعن محمد بن الصباح، وعن عمرو بن عثمان، وعن محمد بن قدامة. وأخرجه النسائي في المحاربة عن أحمد بن سليمان، وعن عمرو بن عثمان، وعن إسحاق بن منصور، وعن إسماعيل بن مسعود، وأعاد حديث عمرو بن عثمان في التفسير، وفي رواية مسلم أدخل بين أيوب وأبي قلابة أبا رجاء، مولى أبي قلابة، وذكر الدارقطني أن رواية حماد بن زيد إنما هي عن أيوب عن أبي رجاء عن أبي قلابة. وقال: سقوط أبي رجاء وثبوته صواب، ويشبه أن يكون أيوب سمع من
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»