عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٤٢
استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فاذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي قال وقال أبي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجىء ذلك الوقت.
.
هذا الحديث أيضا مطابق للترجمة.
بيان رجاله وهم ستة. الأول: محمد بن سلام، بتخفيف: اللام، البيكندي، تقدم في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله)، وقد وقع في أكثر النسخ عند الأكثرين: حدثنا محمد، غير منسوب، وللأصيلي: حدثنا محمد بن سلام ولأبي ذر: حدثنا محمد، وهو ابن سلام.
الثاني: أبو معاوية الضرير: محمد بن خازم، بالمعجمتين، وقد تقدم عن قريب. الثالث: هشام بن عروة بن الزبير، وقد مر أيضا غير مرة. الرابع: أبو عروة، كذلك. الخامس: عائشة الصديقة بنت الصديق. السادس: فاطمة بنت أبي حبيش، بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره شين معجمة: القرشية الأسدية، واسم أبي حبيش: قيس بن المطلب، وقال بعضهم: قيس بن عبد المطلب. قال بعض الشارحين: وقع في أكثر نسخ مسلم: عبد المطلب، وهو غلط. قلت: هذا هو الصواب، وكذا قال الذهبي في (تجريد الصحابة): قيس بن المطلب بن أسد، وهو المطلب بن أسد، وهي غير: فاطمة بنت قيس، التي طلقت ثلاثا.
بيان لطائف اسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع في موضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: ذكر أبي معاوية هنا بالكنية، وفي باب غسل البول بالاسم، رعاية للفظ الشيوخ. وفيه: حكاية الصحابية عن سؤال الصحابية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه: أن البخاري روى ههنا عن محمد غير منسوب عند الأكثرين كما ذكرنا، وصرح به في النكاح بقوله: حدثنا محمد بن سلام حدثنا أبو معاوية... وذكر الكلاباذي أن البخاري روى عن محمد بن المثنى عن أبي معاوية، وعن محمد بن سلام عن أبي معاوية، ورواه أبو نعيم الأصبهاني من طريق إسحاق بن إبراهيم عن أبي معاوية، وذكر أن البخاري رواه عن محمد بن المثنى عن أبي معاوية.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه مسلم في الطهارة عن يحيى بن يحيى، والترمذي عن هناد بن السري، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن أبي معاوية به. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه أبو داود عن أحمد بن يونس، وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا: حدثنا زهير، قال: حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها. وأخرجه أيضا من مسند فاطمة المذكور.
بيان لغته قوله: (استحاض)، بضم الهمزة وسكون السين وفتح التاء. قال الجوهري: استحيضت المرأة أي: استمر بها الدم بعد أيامها، فهي مستحاضة. وفي الشرع: الحيض عبارة عن الدم الخارج من الرحم، وهو موضع الجماع والولادة لا تعقب ولادة مقدرا في وقت معلوم، وقال الكرخي: الحيض دم تصير المرأة بالغة بابتداء خروجه، والاستحاضة اسم لما نقص من أقل الحيض أو زاد على أكثره. فان قلت: ما وجه بناء الفعل للفاعل في الحيض، وللمفعول في الاستحاضة؟ فقيل: استحيضت؟ قلت: لما كان الأول: معتادا معروفا نسب إليها، والثاني: لما كان نادرا غير معروف الوقت، وكان منسوبا إلى الشيطان، كما ورد أنها ركضة من الشيطان، بني لما لم يسم فاعله. فإن قلت: يجوز أن تكون للتحول، كما في: استحجر الطين، وهنا أيضا تحول دم الحيض إلى غير دمه، وهو دم الأستحاضة. فافهم. قوله: (عرق)، بكسر العين وسكون الراء: وهو المسمى بالعادل، بالعين المهملة والذال المعجمة، وحكي إهمالها. قوله: (وليس بحيض) لأن الحيض يخرج من قعر الرحم كما ذكرنا. قوله: (حيضتك)، بفتح الحاء وكسرها، وهو بالفتح: المرة، وبالكسر: اسم للدم، والخرقة التي تستثفر بها المرأة والحالة. وقال الخطابي: المحدثون يقولون بالفتح، وهو خطأ، والصواب الكسر، لأن المراد بها الحالة، ورده القاضي وغيره، وقالوا: الأظهر الفتح، لأن المراد إذا أقبل الحيض. قوله: (وإذا أدبرت) من: الإدبار وهو انقطاع الحيض.
بيان إعرابه ومعناه قوله: (إني امرأة)، قد علم أن كلمة: لا تستعمل إلا عند إنكار المخاطب للقول أو التردد فيه، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار لاستحاضتها ولا تردد فيها، فوجه استعمالها ههنا يكون لتحقيق نفس القضية، إذ كانت بعيدة الوقوع نادرة الوجود، فلذلك أكدت قولها بكلمة: إن قوله: (أفأدع) أي: أفأترك. وقال الكرماني: فان قلت: الهمزة
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»