عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٤٩
فاسد. وأيضا من أين عرفنا أنه أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود؟ ومن أين عرفنا أنه وقف على هذا أو لم يقف؟ ولكن كل ذلك تخمين بتخبيط. قوله: (فلم يذهب اثره): الفاء، فيه للعطف لا للجزاء. لقوله: (إذا غسل)، لأن جزاءه محذوف تقديره: صح صلاته، أو نحو ذلك، والضمير في: أثره، يرجع إلى كل واحد من غسل الجنابة وغيرها. وقال الكرماني: فلم يذهب أثره: أي أثر الغسل. وقال بعضهم، وأعاد الضمير مذكرا على المعني أي: فلم يذهب أثر الشيء المغسول. قلت: كلام الكرماني أوجه، لأن المعنى على أن بقاء أثر الغسل لا يضر لإبقاء المغسول، اللهم إلا إذا عسر إزالة أثر المغسول، فلا يضر حينئذ للحرج، وهو مدفوع شرعا. وقال الكرماني؛ في بعض النسخ: أثرها، اي: أثر الجنابة. قلت: إن صحت هذه النسخة فلا حاجة إلى التأويل المذكور، ولكن تفسيره بقوله: أي، أثر الجنابة يرجع إلى تفسير القائل المذكور، وفساده ظاهر.
231 حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا عمرو بن ميمون قال سألت سليمان بن يسار في الثوب تصيبه الجنابة قال قالت عائشة كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلي الصلاة وأثر الغسل فيه بقع الماء.
مطابقة الحديث لإحدى الترجمتين، وهي أولاهما ظاهرة، والمنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف: نسبة إلى بني منقر، بطن من تميم، وهو أبو سلمة التبوذكي. عبد الواحد هو: ابن زياد المذكور عن قريب. قوله: (سمعت سليمان بن يسار)، هكذا هو عند الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (سألت سليمان بن يسار). قوله: (في الثوب) معناه على رواية: سمعت، أي: سمعت سليمان يقول في حكم الثوب الذي تصيبة الجنابة، وعلى رواية: سألت، المعنى: قلت لسليمان: ما تقول في الثوب الذي تصيبة الجنابة؟ وعلى هذه الرواية يجوز أن تكون كلمة: في بمعنى: من، كما في قوله.
* وهل يعمن من كان في العصر الخالي * قوله: (كنت أغسله)، أي: كنت أغسل أثر الجنابة، قاله الكرماني. قلت: ليس معناه كذا، لأن معناه: كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المعنى: أغسل أثر المني، فعلى هذا تذكير الضمير يكون باعتبار معنى الجنابة، لأن معناها: المني ههنا، وباقي الكلام فيه قد مر فيما قبله.
232 حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا زهير قال حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أراه فيه بقعة او بقعا.
عمرو بن خالد، بفتح العين، وليس في شيوخ البخاري عمر بن خالد بضم العين. قوله: (زهير) هو ابن معاوية. قوله: (عمرو بن ميمون بن مهران)، بكسر الميم غير منصرف، ولم يذكر جد عمرو في هذا الحديث الذي رواه عن عائشة من خمسة أوجه إلا في هذا الوجه، وفي هذا الوجه نكتة أخرى وهي أن فيه الإخبار عن سليمان عن عائشة، رضي الله عنها، أنها كانت تغسل على سبيل الغيبة، وفي الأوجه الأربعة المتقدمة الإخبار عنها على سبيل التكلم عنها. قوله: (من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي بعض النسخ: (من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم). قوله: (ثم أراه) من رؤية العين أي: أبصره، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى الثوب، وفي بعض النسخ: (ثم أرى)، بدون الضمير، فعلى هذا مفعول: أرى، محذوف على ما يجيء الآن. فان قلت: كيف التئام هذا بما قبله، لأن ما قبله إخبار عن سليمان وقوله: ثم أراه، نقل عن عائشة، رضي الله عنها قلت فيه محذوف تقديره قالت ثم أراه وهذا الوجه من كلام الكرماني أن أول الكلام نقل بالمعنى عن لفظ عائشة وآخره نقل للفظها بعينه. قوله: (فيه) أي: في الثوب، هذا على تقدير أن يكون: أرى، بدون الضمير المنصوب، والتقدير: ثم أرى في الثوب بقعة، فيكون انتصاب بقعة على المفعولية. وأما على تقدير: أراه، بالضمير المنصوب، فمرجعه يكون الأثر الذي يدل عليه وقوله: (تغسل المني من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم) أي: أرى أثر الغسل في الثوب بقعة. قوله: (أو بقعا)، الظاهر أنه من كلام عائشة، ويحتمل أن يكون شكا من سليمان أو من أحد الرواة. والله تعالى أعلم.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»