عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٣٦
حديث عمر فقال الترمذي: فحديث ضعيف، لأن ابن جريج رواه عن عبد الكريم بن المخارق أبو أمية وهو ضعيف، وقال الترمذي: إنما رفعه عبد الكريم، وقد ضعفه أيوب، وتكلم فيه، وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: قال: عمر: ما بلت قائما منذ أسلمت، هذا أصح من حديث عبد الكريم. وأما حديث جابر، ففي رواته: عدي بن الفضل وهو ضعيف. فان قلت: قال أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي في كتابه المسمى (بقبول الأخبار ومعرفة الرجال): حديث حذيفة يعني هذا حديث فاحش منكر لا نراهه إلا من قبل بعض الزنادقة. قلت: هذا كلام سوء لا يساوي سماعه، وهو في غاية الصحة. فإن قلت: روي عن ابن ماجة من طريق شعبة أن عاصما روى له عن أبي وائل عن المغيرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى سباطة قوم فبال قائما). قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة. قلت: قال الترمذي: حديث أبي وائل عن حديفة أصح، يعني من حديثه عن المغيرة، وأيضا لا يبعد أن يكون أبو وائل رواه عن رجلين، والرجلان شاهدا ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وأن أبا وائل أدى الحديثين عنهما، فسمعه منه جماعة فأدى كل ما سمع، ودليله أن غيرهما حكى ذلك عنه صلى الله عليه وسلم أيضا، منهم: سهل بن سعد، رضي الله عنه. وفي حديثه في (صحيح ابن خزيمة) وأبو هريرة، رضي الله تعالى عنه، وأخرج حديثه الحاكم ثم البيهقي عن حماد بن غسان الجعفي: حدثنا معن عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائما من جرح كان بمآبضه)، وقال الذهبي: هذا منكر، وضعفه الدارقطني والبيهقي وابن عساكر في كتابه (مجموع الرغائب في ذكر أحاديث مالك الغرائب).
ثم إن العلماء تكلموا في سبب بوله، صلى الله تعالى عليه وسلم قائما فقال الشافعي، لما سأله حفص الفرد عن الفائدة في بوله قائما: العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فنرى أنه كان به ذاك. قلت: يوضح ذلك حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه المذكور آنفا.
والمآبض جمع: مأبض، بسكون الهمزة بعدها باء موحدة ثم ضاد معجمة، وهو: باطن الركبة، وقال القاضي عياض: إنما فعله لشغله بأمور المسلمين، فلعله طال عليه المجلس حتى حصرة البول ولم يمكن التباعد كعادته، وأراد السباطة لدمثها، وأقام حذيفة يستره عن الناس. وقال المازري في (العلم): فعل ذلك لأنها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر، بخلاف القعود، ومنه قول عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه: البول قائما أحصن للدبر. وقال بعضهم: لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه السباطة عليها مرتفعا. وقال المنذري: لعله كانت في السباطة نجاسات رطبة، وهي رخوة، فخشي أن يتطاير عليه. قيل: فيه نظر، لأن القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد. وقال الطحاوي: لكون ذلك سهلا ينحدر فيه البول فلا يرتد على البائل، وقال بعضهم: إنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بيان للجواز في هذه المرة، وكانت عادته المستمرة البول قاعدا.
الحكم الثاني: فيه جواز البول بالقرب من الديار.
الثالث: فيه دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة لما فيه من الضرر.
الرابع: فيه جواز طلب البائل من صاحبه الماء للوضوء.
الخامس: فيه خدمة المفضول للفاضل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
61 ((باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط)) أي: هذا باب في بيان حكم بول الرجل عند صاحبه، وبيان حكم تستره بالحائط، فالألف واللام في: البول، بدل من المضاف إليه، وهو كما قدرنا، فالضمير في صاحبه يرجع إلى المضاف إليه المقدر، وهو: الرجل البائل.
والمناسبة بين البابين ظاهرة.
225 حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة قال رأيتني أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نتماشى فاتى سباطة قوم خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه فاشار إلي فجئته فقمت عند عقبه حتى فرغ.
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وهي في الموضعين.
بيان رجاله وهم خمسة، وقد تقدموا بهذا الترتيب في باب: من جعل لأهل العلم أياما، وجرير: هو ابن عبد الحميد، ومنصور: هو ابن المعتمر، وأبو وائل: شقيق، وحذيفة: ابن اليمان، رضي الله تعالى عنه.
بيان لطائف اسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في الموضعين، والعنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته ما بين كوفي ورازي.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»