عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٥٧
الحجاج، تقدما في كتاب الإيمان، وأبو التياح؛ بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة، واسمه يزيد، تقدم في باب: ما كان النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، يتخولهم.
بيان لطائف اسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع في موضع. وفيه: العنعنة في موضع. وفيه: أن رواته ما بين خراساني وكوفي وبصري.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري هنا عن آدم، وفي الصلاة عن سليمان بن حرب. وأخرجه مسلم في الصلاة مختصرا، كما ههنا عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه وعن يحيى بن حبيب. وأخرجه الترمذي فيه عن محمد بن بشار عن يحيى القطان، وعن آدم في المغازي عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وعن أبي بكر عن عبيد بن سعيد، وعن محمد ابن الوليد عن غندر، خمستهم عن شعبة عنه به. وأخرجه النسائي في العلم عن بنداربه.
بيان لغته قد مر في أول الباب، وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي، فإنه قال: لا إكراه الصلاة في مرابض الغنم إذا كان سليما من أبعارها وأبوالها، وممن روى عنه إجازة ذلك، وفعله ابن عمر وجابر وأبو ذر والزبير والحسن وابن سيرين والنخعي وعطاء. وقال ابن بطال: حديث الباب حجة على الشافعي، رضي الله عنه، لأن الحديث ليس فيه تخصيص موضع من آخر، ومعلوم أن مرابضها لا تسلم من البعر والبول، فدل على الإباحة وعلى طهارة البول والبعر. قلت: قد استدل به من يقول بطهارة بول المأكول لحمه وروثه، وقالوا: لأن المرابض لا تخلو عن ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلواتهم فلا تكون نجسة. وأجاب مخالفوهم باحتمال وجود الحائل، ورد عليهم بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض، ورد عليهم بأنه شهادة على النفي وأيضا فقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير في دارهم، وصح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه، عليه السلام، كان يصلي على الخمرة. وقال ابن حزم: هذا الحديث يعني حديث الباب منسوخ لأن فيه أن ذلك كان قبل أن يبني المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، ورد عليه بما صح عن عائشة، رضي الله عنها، أنه، صلى الله عليه وسلم: (امرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف). رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة، وزاد: وإن تطهرها، قال: وهذا بعد بناء المسجد، وما ادعاه من النسخ يقتضي الجواز ثم المنع، ويرد هذا أذنه، عليه السلام، وفي الصلاة في مرابض الغنم. وفي (صحيح ابن حبان) عن أبي هريرة، قال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل. قال الطوسي والترمذي: حسن صحيح. وفي (تاريخ نيسابور) من حديث أبي حبان عن أبي زرعة عنه مرفوعا: (الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها). وعند البزار في (مسنده): (أحسنوا إليها وأميطوا عنها الأذى). وفي حديث عبد الله بن المغفل: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين). قال البيهقي) كذا رواه جماعة. وقال بضعهم: كنا نؤمر، ولم يذكر النبي، صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ: (إذا أدركتكم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلوا فيها، فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فأخرجوا منها فإنها جن خلقت من الجن. ألا ترى أنها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها). وفي مسند عبد الله بن وهب البصري عن سعيد بن أبي أيوب عن رجل حدثه عن ابن المغفل: (نهى النبي، عليه الصلاة والسلام، أن يصلي في معاطن الإبل، وأمر أن يصلي في مراح البقر والغنم). وعند ابن ماجة بسند صحيح من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، مرفوعا: (لا يصلي في أعطان الإبل، ويصلي في مراح الغنم). وعند أبي القاسم بسند لا بأس به عن عقبة بت عامر: (صلوا في مرابض الغنم). وكذا رواه ابن عمر وأسيد بن حضير، وعند ابن خزيمة من حديث الراء: (سئل، صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: صلوا فيها فإنها بركة). وقال ابن المنذر: يجوز الصلاة أيضا في مراح البقر لعموم قوله، عليه الصلاة والسلام: (أينما أدركتك الصلاة فصل). وهو قول عطاء ومالك. قلت: ذهل ابن المنذر عن حديث عبد الله بن وهب الذي ذكرناه آنفا حتى استدل بذلك، فلو وقف عليه لاستدل به. والله تعالى أعلم.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»