عمدة القاري - العيني - ج ١ - الصفحة ٦٦
(بيان اللغات) قوله عن فترة الوحي وهو احتباسه وقد مر الكلام فيه مستوفي قوله على كرسي هو بضم الكاف وكسرها والضم أفصح وجمعه كراسي بتشديد الياء وتخفيفها قال ابن السكيت كل ما كان من هذا النحو مفرده مشدد كعارية وسرية جاز في جمعه التشديد والتخفيف وقال الماوردي في تفسيره أصل الكرسي العلم ومنه قيل لصحيفة يكون فيها علم كراسة وقال الزمخشري الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وفي العباب الكرسي من قولهم كرس الرجل بالكسر إذا ازدحم علمه على قلبه * فإن قلت ما هذه الياء فيه قلت ليست ياء النسبة وإنما هو موضوع على هذه الصيغة فإذا أريد النسبة إليه تحذف الياء منه ويؤتى بياء النسبة فيقال كرسي أيضا فافهم قوله فرعبت منه بضم الراء وكسر العين على ما لم يسم فاعله ورواية الأصيلي بفتح الراء وبضم العين وهما صحيحان حكاهما الجوهري وغيره قال يعقوب رعب ورعب واقتصر النووي في شرحه الذي لم يكمله على الأول وقال بعضهم الرواية بضم العين واللغة بفتحها حكاه السفاقسي والرعب الخوف يقال رعبته فهو مرعوب إذا أفزعته ولا يقال أرعبته تقول رعب الرجل على وزن فعل كضرب بمعنى خوفه هذا إذا عديته فإن ضممت العين قلت رعبت منه وإن بنيته على ما لم يسم فاعله ضممت الراء فقلت رعبت منه وفي البخاري في التفسير ومسلم هنا فجئثت منه بضم الجيم وكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة من جئث الرجل أي أفزع فهو مجؤث أي مذعور ومادته جيم ثم همزة ثم ثاء مثلثة قال القاضي كذا هو للكافة في الصحيحين وروى فجثثت بضم الجيم وكسر الثاء المثلثة الأولى وسكون الثانية وهو بمعنى الأول ومادته جيم ثم ثاآن مثلثتان وفي بعض الروايات حتى هويت إلى الأرض أي سقطت أخرجها مسلم وهو بفتح الواو وفي بعضها فأخذتني رجفة وهي كثرة الاضطراب قوله زملوني في أكثر الأصول زملوني زملوني مرتين وفي رواية كريمة مرة واحدة وللبخاري في التفسير ولمسلم أيضا دثروني وهو هو كما سيأتي إن شاء الله تعالى قوله * (يا أيها المدثر) * أصله المتدثر وكذلك المزمل أصله المتزمل والمدثر والمزمل والمتلفف والمشتمل بمعنى وسماه الله تعالى بذلك إيناسا له وتلطفا. ثم الجمهور على أن معناه المتدثر بثيابه وحكى الماوردي عن عكرمة أن معناه المتدثر بالنبوة وأعبائها قوله * (قم فأنذر) * أي حذر العذاب من لم يؤمن بالله وفيه دلالة على أنه أمر بالإنذار عقيب نزول الوحي للإتيان بالفاء التعقيبية * فإن قلت النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بشيرا ونذيرا فكيف أمر بالإنذار دون البشارة قلت البشارة إنما تكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه قوله * (وربك فكبر) * أي عظمه ونزهه عما لا يليق به وقيل أراد به تكبيرة الافتتاح للصلاة وفيه نظر قوله * (وثيابك فطهر) * أي من النجاسات على مذهب الفقهاء وقيل أي فقصر وقيل المراد بالثياب النفس أي طهرها من كل نقص أي اجتنب النقائص قوله * (والرجز) * بكسر الراء في قراءة الأكثر وقرأ حفص عن عاصم بضمها وهي الأوثان في قول الأكثرين. وفي مسلم التصريح به وفي التفسير عن أبي سلمة التصريح به وقيل الشرك وقيل الذنب وقيل الظلم. وأصل الرجز في اللغة العذاب ويسمى عبادة الأوثان وغيرها من أنواع الكفر رجزا لأنه سبب العذاب قوله فحمي بفتح الحاء وكسر الميم معناه كثر نزوله من قولهم حميت النار والشمس أي كثرت حرارتها ومنه قولهم حمي الوطيس والوطيس التنور استعير للحرب قوله وتتابع تفاعل من التتابع قالت الشراح كلهم ومعناهما واحد فأكد أحدهما بالآخر. قلت ليس معناهما واحدا فإن معنى حمي النهار اشتد حره ومعنى تتابع تواتر وأراد بحمي الوحي اشتداده وهجومه وبقوله تتابع تواتره وعدم انقطاعه وإنما لم يكتف بحمي وحده لأنه لا يستلزم الاستمرار والدوام والتواتر فلذلك زاد قوله وتتابع فافهم فإنه من الأسرار الربانية والأفكار الرحمانية ويؤيد ما ذكرنا رواية الكشميهني وتواتر موضع وتتابع والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير خلل ولقد أبعد من قال وتتابع توكيد معنوي لأن التأكيد المعنوي له ألفاظ مخصوصة كما عرف في موضعه. فإن قال ما أردت به التأكيد الاصطلاحي يقال له هذا إنما يكون بين لفظين معناهما واحد وقد بينا المغايرة بين حمي وتتابع والرجوع إلى الحق من جملة الدين (بيان الإعراب) قوله قال ابن شهاب فعل وفاعل قوله وأخبرني معطوف على محذوف هو مقول القول تقديره قال ابن شهاب أخبرني عروة بكذا وأخبرني أبو سلمة بكذا فلأجل قصده بيان الإخبار عن عروة بن الزبير
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»