السقيفة وفدك - الجوهري - الصفحة ٦٠
أهل الإيواء والنصرة، وإليكم كانت الهجرة، وأنتم أصحاب الدار والإيمان، والله ما عبد الله علانية إلا عندكم وفي بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم، ولا عرف الإيمان إلا من أسيافكم، فاملكوا عليكم أمركم، فإن أبى هؤلاء فمنا أمير ومنهم أمير.
فقال عمر: هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، إن العرب لا ترضى أن تؤمركم ونبيها من غيركم، وليس تمتنع العرب أن تولي أمرها من كان النبوة فيهم، وأولوا الأمر منهم، لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا، والسلطان المبني على من نازعنا، من ذا يخاصمنا في سلطان محمد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكه.
فقام الحباب وقال: يا معشر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر، فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم، فأنتم والله أولى الناس بهذا الأمر منهم، أنه وإن لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له، أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب إن شئتم لنعيد عنا جزعه، والله لا يرد أحد على ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف.
قال: فلما رأى بشر بن سعد الخزرجي، ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة، وكان حاسدا له وكان من سادة الخزرج، قام فقال:

(1) جمهرة خطب العرب 1: 176.
(2) نفس المصدر.
(3) في عبارة: فأجلوهم عن هذه البلاد.
(4) الجذيل: تصغير الجذل - بالكسر - وهو أصل الشجرة، وعود ينصب للإبل الجربى لتحتك به وتتمرس، والمحك الذي تتحكك به. والعذيق تصغير العذق - بالفتح - وهو النخلة.
والمرجب: الذي جعل له وجبة، وهي دعامة تبنى حولها من الحجارة، وذلك إذا كانت النخلة كريمة وطالت تخوفوا عليها أن تنقعر من الرياح العواصف، والتصغير هنا يراد به التكبير والتعظيم، وهو مثل، والمراد أنه رجل يستشفى برأيه وعقله.
(5) الجذعة: الشابة الفتية، يريد الحروب والغارات.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست