أيها الأنصار، إنا وإن كنا ذوي سابقة، فإنا لم نرد بجهادنا وإسلامنا إلا رضى ربنا وطاعة نبينا، ولا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي به عوضا من الدنيا، إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل من قريش، وقومه أحق بميراثه، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، فاتقوا الله ولا تنازعوهم، ولا تخالفوهم.
فقام أبو بكر، وقال: هذا عمر، وأبو عبيدة، بايعوا أيهما شئتم، فقالا:
والله لا نتولى هذا الأمر عليك، وأنت أفضل المهاجرين، وثاني اثنين، وخليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، على الصلاة، والصلاة أفضل الدين، أبسط يدك نبايعك.
فلما بسط يده وذهبا يبايعانه، سبقهما بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحباب بن المنذر: با بشير عقك عاق: والله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك.
ولما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن حضير - وهو رئيس الأوس - فبايع حسدا لسعد أيضا، ومنافسة له أن يلي الأمر، فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد، وحمل سعد بن عبادة وهو مريض، فأدخل إلى منزله، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم وفيما بعده، وأراد عمر أن يكرهه عليها، فأشير عليه ألا يفعل، وأنه لا يبايع حتى يقتل وأنه لا يقتل حتى يقتل أهله، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج، وإن حوربت الخزرج كان الأوس معها.
وفسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجماعتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لضاربهم، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر، ثم لقي عمر في خلافته وهو على فرس، وعمر على بعير، فقال له عمر: هيهات يا سعد، فقال سعد: هيهات يا عمر، فقال: أنت صاحب من أنت صاحبه، قال: نعم أنا ذاك، ثم قال لعمر: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك، قال عمر: فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه. قال