فكان سعد يتكلم، ويستمع ابنه ويرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله، بعد حمد الله والثناء عليه، أن قال:
إن لكم سابقة إلى الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لبث في قومه بضع عشرة سنة، يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا قليل، والله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله ولا يغروا دينه، ولا يدفعوا عنه عداه، حتى أراد الله بكم خير الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بدينه، ورزقكم الإيمان به وبرسوله، والإعزاز لدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقاموا لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داحضا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد، ودانت لأسيافكم العرب، ثم توفاه الله تعالى، وهو عنكم راض، وبكم قرير عين، فشدوا يديكم بهذا الأمر، فإنكم أحق الناس وأولاهم به.
فأجابوا جميعا: أن وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما أمرت، نوليك هذا الأمر، فأنت لنا مقنع، ولصالح المؤمنين رضا.
ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا: إن إئت مهاجرة قريش، فقالوا:
نحن المهاجرون، وأصحاب رسول الله (ص) الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده؟ فقالت طائفة منهم: إذا نقول:
منا أمير ومنكم أمير، لن نرضى بدون هذا منهم أبدا إن لنا في الإيواء والنصرة، ما لهم في الهجرة، ولنا في كتاب الله ما لهم، فليسوا يعدون شيئا إلا ونعد مثله، وليس من رأينا الاستئثار عليهم، فمنا أمير، ومنهم أمير.
فقال سعد بن عبادة: هذا أول الوهن.
وأتى الخبر عمر، فأتى منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجد أبا بكر في الدار، وعليا في جهاز رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي، فأخذ بيد عمر وقال: قم فقال عمر: إني