دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٧٨
وقد روي أنه قيل لبعض العلماء: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال: لأن يكونوا خصمائي أحب إلى من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله خصمي يقول لي: لم لم تذب الكذب عن حديثي؟!
وروي أن بعضهم سمع من بعض العلماء شيئا من ذلك فقال: يا شيخ لا نغتاب العلماء، فقال له: ويحك، هذه نصيحة وليست غيبة. وقد ادعى غير واحد من الأواخر الإجماع على استثنائه من حرمة الغيبة، واستدلوا على ذلك مضافا إليه بأهمية مصلحة حفظ أحكام الله تعالى عن الضياع من مفسدة الغيبة، وبالأخبار الواردة عنهم عليهم السلام في ذم جملة من الرواة وبيان فسقهم وكذبهم ونحو ذلك. فالجواز مما لا شبهة فيه، بل هو من فروض الكفايات كأصل المعرفة بالحديث، نعم يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره وجرحه لئلا يقدح في برئ غير مجروح بما ظنه جرحا، فيجرح سليما، ويسم بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها. فقد أخطأ في ذلك غير واحد، فطعنوا في أكابر من الرواة استنادا إلى طعن ورد فيهم له محمل، كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال المبسوطة.
ولقد أجاد في " البداية " حيث قال بعد التنبيه على ذلك: " إنه ينبغي للماهر في هذه الصناعة ومن وهبه الله أحسن بضاعة تدبر ما ذكروه، ومراعاة ما قرروه، فلعله يظفر بكثير مما أهملوه، ويطلع على توجيه في المدح والقدح قد أغفلوه، كما اطلعنا عليه كثيرا، ونبهنا عليه في مواضع كثيرة ووضعناها على كتب القوم، خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح والمدح، فإنه وقع لكثير من أكابر الرواة، وقد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح، وتكلم من بعده في ذلك فاختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا، فلا ينبغي لمن قدر على البحث تقليدهم في ذلك، بل ينفق مما آتاه الله تعالى، فلكل مجتهد نصيب، فإن طريق الجمع بينها ملتبس على كثير حسب اختلاف طرقه وأصوله في العمل بالأخبار الصحيحة والحسنة والموثقة وطرحها أو بعضها. فربما لم يكن في أحد الجانبين حديث صحيح فلا يحتاج إلى البحث عن الجمع بينها، بل يعمل بالصحيح خاصة حيث يكون ذلك من أصول الباحث، وربما يكون بعضها صحيحا، ونقيضه حسنا أو موثقا، ويكون من أصله العمل بالجميع، ويجمع
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»