دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٦٣
يرسلون إلا عن ثقة - انتهى ".
وأيد ذلك في التكملة، بأن هؤلاء كثيرا ما يستعملون الصحة صفة للخبر، فيقولون: خبر صحيح، ولازم ذلك أنهم لا ينقلون إلا الخبر الذي جمع شرائط العمل.
ثم أيد ذلك بأنا لم نجدهم رووا خبرا شاذا وقع الاتفاق علي طرحه كما يتفق لغيرهم، حتى أنه لم يوجد ذلك في مراسيلهم، فهذا يورث الاعتماد على ما رووه من الأخبار وروايتهم للخبر تكشف عن أنه جامع لشرائط العمل، وأنه لا مانع من العمل به، وذلك لا يكون إلا إذا كان محفوفا بقرائن الصدق وصحة الصدور عن المعصوم.
ولازمه أيضا كمال التثبت وشدة الاحتياط في رواية الخبر.
ثم إن للقائلين بحجية مرسل من تحرز عن الرواية عن غير الثقة مسلكين:
أحدهما: ما سلكه جمع من أن إرساله تعديل منه للمحذوف، سيما بعد إخباره بأنه لا يرسل إلا عن ثقة.
ونوقش في ذلك بأنه على فرض تسليمه، شهادة بعدالة الراوي المجهول.
وذلك مما لا يعتمد عليه لاحتمال ثبوت الجارح.
ثانيهما: ما سلكه الفاضل القمي وغيره، من أن المرسل إذا كان لا يرسل إلا عن ثقة، أفاد ذلك نوع تثبت إجمالي، إذ غايته أن العدل يعتمد على صدق الواسطة، ويعتقد الوثوق بخبره، وإن لم يكن من جهة العدالة عنده أيضا، ولا ريب في أن ذلك يفيد الاطمئنان بصدق خبره، وهو لا يقصر عن الاطمئنان الحاصل بالتوثيق الرجالي، والحاصل بصدق خبر الفاسق بعد التثبت.
ولذلك نعتمد على مسانيد " ابن أبي عمير " مثلا وإن كان المروي عنه المذكور في السند ممن لا يوثقه علماء الرجال، فإن رواية ابن أبي عمير عنه يفيد الاطمينان بكون المروي عنه ثقة، معتمدا عليه في الحديث، لما ذكره الشيخ (ره) في العدة من أنه لا يروى ولا يرسل إلا عن ثقة، ولما ذكره الكشي من أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. ولما ذكروه من أن أصحابنا يسكنون إلى مراسله وغير ذلك. وكذلك نظراؤه مثل البزنطي وصفوان بن يحيى والحمادين، وغيرهم والحاصل أن ذلك يوجب الوثوق ما لم يعارضه أقوى منه.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»