دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري - الصفحة ٤٤
الثاني: أن طلب علو السند سنة مؤكدة عند أكثر السلف وقد كانوا يرحلون إلى المشايخ من أقصى البلاد لأجل ذلك وربما ادعى بعضهم اتفاق أئمة الحديث قديما وحديثا على الرحلة إلى من عنده الإسناد العالي، وقد أفتى جمع باستحباب الرحلة لذلك، ولا بأس به لاندراجه في طلب العلم والتفقه المندوبين.
الثالث: أن في رجحان عالي السند على النازل مطلقا، أو العكس مطلقا، أو التفصيل برجحان العلو إلا إذا اتفق للنازل مزية خارجية وجوه:
للأول منها: أن العلو يبعد الحديث عن الخلل المتطرق إلى كل راو، إذ ما من راو من رجال الإسناد إلا والخطأ جائز عليه فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان التجويز وكلما قلت، قلت.
وللثاني: أن النزول يوجب كثرة البحث وهي تقتضي المشقة فيعظم الأجر وضعفه ظاهر، ضرورة أن عظم الأجر أمر أجنبي عن مسألة التصحيح والتضعيف، وكثرة المشقة ليست مطلوبة لذاتها ومراعاة المعنى المقصود من الرواية وهو الصحة أولى.
وللثالث: أنه قد يتفق في النزول مزية ليست في العلو كأن تكون رواته أوثق أو أحفظ أو أضبط، والاتصال فيه أظهر للتصريح فيه باللقاء، واشتمال العالي على ما يحتمله وعدمه مثل عن فلان، فيكون النزول حينئذ أولى بالغرض، وهذا القول هو الفصل.
ومنها: الشاذ والنادر والمحفوظ والمنكر والمردود والمعروف:
فالشاذ والنادر هنا مترادفان، والشائع استعمال الأول، واستعمال الثاني نادر، لكن واقع.
وكفاك في ذلك قول المفيد (ره) في رسالته في الرد على الصدوق في " أن شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقص " إن النوادر هي التي لا عمل عليها - انتهى " وأشار بذلك إلى رواية حذيفة. كما يكشف عن ذلك وعن ترادفهما قول الشيخ (ره) في التهذيب في هذه المسألة " إنه لا يصلح العمل بحديث حذيفة.
لأن متنها لا يوجد في شئ من الأصول المصنفة بل هو موجود في الشواذ من الأخبار - انتهى " حيث أطلق الشاذ على ما أطلق عليه المفيد النادر، بل لا يبعد استفادة ترادفهما من
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»