صنف فيه الشافعي، ثم ابن قتيبة. ومن أصحابنا - رضي الله عنهم - الشيخ أبو جعفر الطوسي، التهذيب والاستبصار [في ما اختلف من الأخبار] وقد جمعوا بين الأخبار على حسب ما فهموه.
وقد قال في البداية: " إنه قلما يتفق فهمان على جمع واحد، ومن أراد الوقوف على جلية الحال، فليطالع المسائل الفقهية الخلافية، التي ورد فيها أخبار مختلفة، يطلع على ما ذكرنا - انتهى ".
ثم إن أهل الدراية، قد جعلوا من أمثلة المختلف من أحاديث الأحكام، حديث " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا "، وحديث " خلق الله الماء طهورا، لا ينجسه شئ إلى ما غير طعمه أو لونه أو ريحه "، فإن الأول ظاهر في طهارة القلتين، تغير أم لا، والثاني ظاهر في طهارة غير المتغير سواء كان قلتين أو أقل.
ومن أحاديث غير الأحكام حديث " لا يورد ممرض على مصح " وحديث " فر من المجذوم فرارك من الأسد " مع حديث " لا عدوى " وبيان ذلك أن " يورد " - بكسر الراء - مضارع أورد، أي عرضه على الماء ومفعوله محذوف. و " ممرض " - بإسكان الميم الثانية، وكسر الراء - صاحب الإبل المراض، من أمرض الرجل إذا وقع في ماله المرض. والمصح - بكسر الصاد - صاحب الإبل الصحاح، والمعنى أنه لا يورد صاحب الإبل المراض إبله على الإبل الصحاح، أي فوقها من جانب الماء الجاري، حيث يجري سؤر المراض، فتشربه الصحاح، فتتمرض. ووجه مخالفة الخبرين الأولين للثالث، دلالتهما على إثبات سراية المرض من المريض إلى غيره.
ونفي الثالث السراية. وقد جمعوا بين الخبرين بوجوه:
أحدها: ما عن ابن الصلاح من العامة، من أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، لكن الله تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه. وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غير من الأسباب.
ثانيها: ما عن شيخ الإسلام، من أن نفي العدوي باق على عمومه والأمر بالفرار إنما هو من باب سد الذرايع، لئلا يتفق للذي يخالطه شئ من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء، لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوي