ومهما كان الحال فقد الف الشيعة في الحديث عشرات الكتب خلال القرون الثلاثة من الهجرة وكانت هذه الكتب مصدرا لكتب الأربعة التي ألفها الكليني والصدوق، والطوسي في القرنين الرابع والخامس، كما الف السنة في الحديث بعد أن اتجه العلماء إلى التدوين العشرات من الكتب بما في ذلك الصحاح الستة في الفترة نفسها، وظهر من خلال المدونات الشيعية، ان الشيعة قد اعتمدوا على مرويات الأئمة أكثر من غيرها باعتبارهم المصدر الأمين الحاكي لأقوال الرسول وأفعاله، واخذوا عنهم أكثر مدوناتهم، كما اتجه السنة فيما دونوه إلى غيرهم ممن يثقون به من الرواة والصحابة، واعتبروا الأئمة (ح) من ولد الرسول (ص) كغيرهم من الرواة والفقهاء يخضعون للنقد والتجريح والتوثيق، فروى عنهم فريق، وتجاهلهم آخرون ولعل محمد بن إسماعيل البخاري الوحيد بين أصحاب الصحاح من حيث تجاهله لأكثر الأئمة وتلامذتهم المنتشرين في جميع البلدان وبخاصة البلاد التي رحل إليها في طلب الحديث كمدن العراق والحجاز وغيرهما.
ونظرا لان الكافي من أبرز كتب الحديث عند الشيعة، والصحيح للبخاري من أصح المجاميع عندهم قد اخترتهما لهذه الدراسات التي تضمنها هذا الكتاب بروح مجردة عن التعصب والهوى، متحريا الحق أينما كان، وابراز بعض الحقائق التي أحيطت بالغموض والتشويش، نتيجة لعامل السياسة والطائفية والزمن وغير ذلك من الملابسات والأسباب كما واني قد حاولت التخفيف من حدة الموقف الذي أوجد تلك الفجوة الواسعة بين الفريقين، وعرضت لهذه الغاية بعض موارد الالتقاء بين الجامعين وما تفرد به كل منهما مما يتفق مع روح الاسلام وسماحته وما هو بعيد عنها، ولم أجد بدا هن الوقوف عند بعض المرويات والتعليق عليها أحيانا بدافع الحرص على كرامة السنة وتنزيهها عما الصق بها زورا وبهتانا.