وجاء في الأعلاق النفيسة (لابن رسته) ان عرب الحيرة علموا قريشا الزندقة في الجاهلية والكتابة في صدر الاسلام، ولا يعنينا تقييم هذه النصوص من الناحية العلمية والتاريخية بل أوردناها كشاهد على أن الأمية ل ا تكن متفشية بين العرب بالشكل الذي يتصوره بعض الكتاب والمستشرقين وبخاصة عرب الجهيرة وبادية الشام لأنهم عاشوا زمنا طويلا مع جيرانهم الفرس والرومان، وبحكم الظروف التي كانت تحيط بهم والمراحل التي مروا بها مع تلك الأمم المتحضرة ليس من البعيد عليهم ان يتعلموا الكتابة، وان يأخذوا عنهم العلوم والعادات التي تمس حياتهم وتسهل لهم سبل العيش والحياة الحرة الكريمة كما لا نستبعد ان يكون لعرب الحجاز ميزة على غيرهم من عرب الجزيرة من هذه النواحي ذلك لأنهم جعلوا مكة المكرمة قاعدة لتجارتهم التي كانت تسيطر على الأسواق في الشام ومصر، حيث كان الحجازيون يشترون السلع من اليمنيين والأحباش، لتصديرها على حسابهم إلى أسواق الشام ومصر، وعلى تجارة المكيين كان يعتمد الرومان قي أكثر الحاجيات وقد بالغ بعض المستثمرين فادعى انهم اتخذوا من مكة نفسها بيوتا استخدموها للتجارة والتجسس على العرب، وكانت قبيلة قريش من أشهر القبائل العربية التي كانت تتماطى التجارة، وجاء في الكشاف وغيره من كتب التفسير، ان القرشيين كانوا يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، والذي سهل لهم الاستيراد والتصدير، والاستيلاء على الأسواق، ان العرب كانوا يعظمون البيت ويحترمون جيرانه وخدامه وقد امتازت بذلك قريش عن غيرها من سائر العرب لأنها تحصنت بجواره من غزو العرب وقطاع الطرق (1).
وليس بالبعيد عادة ان تزودها هذه المرحلات، المتتالية بسبب اتصالها