في علمي الحديث والرجال في البحث عن الحديث وأقسامه والرواة وأحوالهم، درسوا أحوال الرجال جيلا بعد جيل، حتى إذا تحققوا من أحوال الراوي، وانه كان نقي السيرة صادق الايمان ضابطا متقنا أمينا، وصفوه بالوثاقة، ووصفوا مروياته بالصحة، وإذا وجدوا فيه ما يشعر بعدم الأمانة في الحديث، أو عدم الاستقامة في الدين، وصفوه بما يتناسب مع حاله، وتركوا جميع مروياته، الا إذا اقترنت ببعض القرائن التي تؤكد صدورها عن النبي (ص) أو عن صحابته، ولو وجدوا له قادحا ومادحا وجارحا ومعدلا اخذ وا بالجارح وتركوا المادح والمعدل، وبهذه المناسبة يقول ابن الصلاح:
إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم لأنه يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، فإذا كان عدد المعدلين أكثر من عدد الجارحين، قبل تعين الاخذ بالتعديل، والصحيح الذي عليه الجمهور ان الجر ح أولى بالرعاية والاعتبار، ومع أنهم احتاطوا في الاخذ بالحديث إلى هذا الحد، وضعوا الأصول والقواعد للتأكد من أحوال الراوي وسلامة الحديث مما يوجب عدم الاطمئنان بصحته، وطبقوا أصول علمي الدراية والرجال على جميع الرواة مهما بلغوا من العظمة والعلم والدين، مع أنهم وضعوا الجميع على اختلاف طبقاتهم ومكانتهم في قفص الاتهام، وبحثوا عن أحوالهم بتحفظ ودقة، وقفوا من الصحابة مكتوفي الأيدي واعتبروهم من العدول الذين لا يجوز عليهم نقد أو تجريح وقالوا: (ان بساطهم قد طوي) على اختلاف طبقاتهم وأعمارهم، وأضافوا إلى لك ان جميع ما صدر عنهم من الغلط والانحراف والشذوذ لا يسلبهم صفة العدالة لان صحبتهم للنبي (ص) تكفر عنهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، مهما بلغ شانها وتعاظم خطرها على حد تعبير الجمهور الأعظم من محدثي السنة ومؤلفيهم في هذه المواضيع، والذين خرجوا على هذا الرأي ولم يفرقوا بين الصحابة